يخيَّل إلى بعض الناس أن قارعة الطريق هي جانبها البعيد، أو طرفها الموحش الذي لا يمرّ به أحد. فيقال: تركه في قارعة الطريق، يريدون بذلك أنه نبذه في العراء أو ألقاه على الهامش. غير أنّ اللغة - بصدقها الدقيق وميزانها العادل - تأبى هذا الفهم، وتعيد (...)
يُدهَش الباحث في فقه اللغة حين يكتشف أن بعض الألفاظ، على تفرّق اللغات وتباعد العصور، تتلاقى في جوهرها الدلالي، وكأنها تصدر عن معينٍ واحد من المعنى الإنساني المشترك، ومن أبرز هذه الألفاظ كلمة (طُوبَى)، التي وردت في قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا (...)
اللغة العربية كائن حيّ، لا يقف عند حدٍّ واحد، إنما يتنفس عبر مستويات متدرجة، تبدأ من الفصحى العليا في نصوص الوحي، ولا تنتهي عند لهجات الناس في الأسواق والمجالس. هذا التدرج ليس ضعفًا في العربية، بل شاهدٌ على مرونتها وقدرتها على أن تحيا في كل زمان (...)
تُعَدُّ (كأن) من الأدوات العربية البليغة التي تتنوّع دلالاتها بحسب السياق، فهي في الأصل حرف مشبّه بالفعل يعمل عمل «إنَّ» فينصب الاسم ويرفع الخبر، غير أنّ دلالتها البلاغية تتجاوز هذا الجانب النحوي إلى معانٍ دقيقة تتراوح بين التشبيه وغلبة الظن.
أصل (...)
في كل صباحٍ من صباحات الوطن، تتلألأ الأرض كما لو أنها تُهدي أبناءها ومضًا من النور، ويعبق هواؤها بشذى لا يخطئه القلب قبل الحواس. وطنٌ على ومض الثرى يتضوع، جملة تختصر حكاية خمسةٍ وتسعين عامًا من المجد، تبدأ من صحراء مترامية الأطراف، وتبلغ عنان السماء (...)
تُعَدُّ كلمة «شكرًا» من أكثر الألفاظ تردادًا في التواصل الإنساني، وهي في حقيقتها ليست مجرّد تعبير آلي عن الامتنان، بل هي فعل لغويّ يحمل في طيّاته فلسفة عميقة تتعلق بالعلاقة بين الذات والآخر، وبين العطاء والاعتراف به. ولذا فإنّ البحث في الرد المناسب (...)
كما يتحتم على الإنسان أن يحافظ على لياقته الجسدية التي تعينه على الحركة، ولياقته النفسية التي تجمّل سلوكه واتزانه، كذلك عليه أن يعتني بلياقته اللغوية؛ تلك الملكة الخفية التي تمنحه القدرة على اختيار الكلمة في وقتها، ووضع العبارة في مقامها، فينجو بها (...)
في زاوية اللغة نحلق مع الأدب قليلاً فكلاهما عضيد الآخر، مع ثورة الثقافة المتقدة واكتساح الأدب بمجالاته المتنوعة يقفز هذا السؤال عالياً: ماذا يقدم الأدب للإنسان؟ نقول إن الأدب ليس ترفًا ذهنيًّا ولا وسيلةً للتسلية فحسب، بل فعل إنساني عميق الجذور، (...)
التأمل في التراكيب القرآنية دعوة لتأمل العربية والبحث في دلالة ألفاظها، فكل مفردة تُستخدم بميزان. في هذا المقال نتأمل ظاهرة تكرار تتابع بعض الأفعال مثل: «خلق» و»جعل» في الآي القرآني والوقوف على دلالة كل منهما.
بالعودة إلى معاجم العربية نجد أن: (خلق) (...)
من أكثر المفاهيم التي يختلط فيها الوعي اللغوي بالتصورات النفسية والفلسفية مفهوما (النفس والذات)، ورغم شيوع استخدامهما في حياتنا اليومية، فإنّ الوقوف على الفروق الدقيقة بينهما يكشف أبعادًا أعمق في فهم الإنسان لذاته ومسؤوليته عن أفعاله.
فالنفس في (...)
لطالما كانت إهداءات الكتب نافذةً صغيرة تُطلّ منها روح الكاتب على القارئ، لحظة صدق خاصة لا تمر عبر قنوات النشر، ولا تصطدم بمعايير السوق. ومع ذلك، تُعامل هذه المساحة غالبًا بشيء من الإهمال أو الاستعجال، حتى باتت في كثير من الأحيان مجرد كلمات مكرورة، (...)
بعد طول تأمل في أسرار العدد سبعة والنظر في خصائص اللغة العربية ورمزيتها ودقة الإيحاءات العددية، وتقاطع الألفاظ مع المعاني وتشابكها مع المعمار النصي. وفي قلب هذه المنظومة تطلّ واو الثمانية إشارة لغوية تحتاج تأملًا وإعمالًا فكريًّا. فهل بينهما صلة؟ (...)
في معاجم اللغة، يُشتق «الأمل» من الجذر (أمَلَ)، ويعني: الترقب والانتظار، مصحوبًا برجاءٍ في تحقق شيء مرغوب. وقد فرّق اللغويون بين الأمل والتمني؛ فالتمني قد يكون مجرد خيال لا يستند إلى سبب، أما الأمل، فغالبًا ما يقوم على سببٍ يُرتجى معه حصول المأمول. (...)
في عمق البنية العربية، تتشكل الكلمات بما يشبه الموجات التي تتسع وتنكمش بحسب المعنى. واحدة من أبرز هذه الصيغ هي «فَعَلان»، التي تأتي محمّلة بالحركة، مُشبّعة بالانفعال، وثرية بالإيحاء.
حين نقول: غضبان، عطشان، ولهان، سكران، فإننا نرسم صورة لشعور طاغٍ، (...)
قرأتُ عبارة «الوجع الجميل» في إحدى ملصقات مواقع التواصل الاجتماعي، فثارت في نفسي جملة من التساؤلات: كيف يكون الوجع جميلاً؟ وهل حقاً يُوجد وجعٌ جميل؟! ومنذ متى كان التوجع جميلاً؟ بعد استحضار المواقف والتأمل فيها ذهبت إلى أن هناك لحظات في حياتنا لا (...)
سؤالٌ دقيقٌ ومهم، قد أثار هذا الاستعمال جدلًا قديمًا بين اللغويين والمعاصرين، في ميدان اللغة الفصحى الرسمية مقابل اللغة المتداولة المعاصرة.
ولحسم المسألة لابد من النظر في جذور المفردات، فالأصل اللغوي ل (التواجُد): مأخوذ من الوجد، وهو الحزن أو الحب (...)
سألتني إحدى طالباتي هل هناك فرق بين الإحساس والمعنى في الشعر؟ مما دفعني للبحث وكتابة هذا المقال، وأرجو أن أوفق فيه للصواب.
يُعدّ الشعر أحد أرقى أشكال التعبير الإنساني، لا لأنه ينقل معنى فحسب، بل لأنه يحمل إحساسًا ينبض بين حروفه. وهنا يبرز سؤال عميق: (...)
يحتدم الجدل بين اللغويين حول استخدام الفعل «يُساهم»، حيث يتعنت بعضهم في منع استعماله للدلالة على المشاركة أو الإسهام الإيجابي، ويقصرونه على معنى «المقارنة والمقارعة»، مستدلين بأصول الفعل في المعاجم القديمة، والتي تُشير إلى المساهمة بمعنى المساهمة في (...)