في معاجم اللغة، يُشتق «الأمل» من الجذر (أمَلَ)، ويعني: الترقب والانتظار، مصحوبًا برجاءٍ في تحقق شيء مرغوب. وقد فرّق اللغويون بين الأمل والتمني؛ فالتمني قد يكون مجرد خيال لا يستند إلى سبب، أما الأمل، فغالبًا ما يقوم على سببٍ يُرتجى معه حصول المأمول. ومع ذلك، فإن الاستعمال البشري للكلمة تجاوز القواميس، فصار «الأمل» حمّال أوجه، يتقلّب بين النور والظلال، بين الرجاء الجميل والانتظار القاسي. فهل كل أملٍ أمل؟! يُقال إن الأمل هو ما يُبقي الإنسان على قيد الحياة، وما يدفعه للاستمرار في مواجهة الصعاب، هو شعاع الضوء في نهاية النفق، واليد الخفية التي تدفعنا إلى الغد رغم تعرجات اليوم. لكن، هل يمكن أن يتحول هذا الشعاع المنقذ إلى خنجر يخترق القلب؟ هل يمكن أن يصبح الأمل، بكل ما يحمله من وعود، قاتلاً ببطء؟ في بعض الأحيان، يكون الأمل سيفًا ذا حدين. حين يتمسك الإنسان بأمل كاذب، أو بوهم مستحيل، فإنه يعيش في دائرة مغلقة من الانتظار، والتأجيل، والتعلق بما لن يأتي. وكلما طالت مدة هذا الانتظار، ازدادت جرعة الألم التي يتلقاها، حتى يصبح الأمل ذاته سببًا في عذابه، وربما في موته النفسي أو العاطفي أو حتى الجسدي. ليست كل الآمال خيّرة، فالأمل الذي لا يقوم على واقع أو منطق، يتحول إلى وهم خطير، مثل من يأمل في عودة مَن رحل بلا رجعة، أو من ينتظر تحسن حال لن يتغير، أو من يؤمن بإصلاح شخص لا يريد التغيير، في هذه الحالات، لا يكون الأمل طوق نجاة، بل قيدًا يمنع صاحبه من التحرك، من البدء من جديد، من تقبّل الحقيقة. أحيانًا نختبئ خلف الأمل لنهرب من المواجهة، نقول لأنفسنا: ربما غدًا، ربما تتغير الأمور، ربما يعود، فنؤجل القرارات، ونؤجل الشفاء، ونؤجل الحياة نفسها، وهكذا، بدلًا من أن يكون الأمل حافزًا للقيام بالفعل، يصبح ذريعة للبقاء في الضعف. ليس المطلوب أن نتخلى عن الأمل، بل أن نعيد تعريفه. الأمل الحقيقي ينبع من إدراك الواقع، ومن فهم الإمكانيات، ومن الإيمان بأن التغيير ممكن إذا ما سعينا له، أما الأمل القاتل، فهو الذي ينتظر المعجزات في مكان لا يسكنه سوى المستحيل. الأمل قوة عظيمة، لكنه يحتاج إلى بصيرة، لا تجعل من الأمل مسكنًا دائمًا لألمك، ولا تجعله سجنًا تبقى فيه رهينة لأحلام لا تنتمي لهذا العالم، حين ترى أن الأمل لم يعد يفتح لك الأبواب، بل يغلقها، فقد حان الوقت لتفتح عينيك، وتبدأ من جديد، دون انتظار. ربما آن لنا أن نعيد النظر لا في الأمل فحسب، بل في اللغة التي نحمله بها، فالكلمات ليست بريئة دائمًا، فقد تكون مرايا تُجمّل الواقع أو تخفيه. الأمل، كما نطقه العرب، وعد مشروط وليس رجاءً عابرًا، الأمل ينتظر منّا عملًا، لا انتظارًا خاملاً، وبين الأمل الكاذب، والتمني الأجوف، والرجاء الصادق، تظل اللغة مرشدنا إن أحسنا التأمل والاختيار.