لطالما كانت إهداءات الكتب نافذةً صغيرة تُطلّ منها روح الكاتب على القارئ، لحظة صدق خاصة لا تمر عبر قنوات النشر، ولا تصطدم بمعايير السوق. ومع ذلك، تُعامل هذه المساحة غالبًا بشيء من الإهمال أو الاستعجال، حتى باتت في كثير من الأحيان مجرد كلمات مكرورة، أو خطوط غير مبالية، وكأنها طقس شكلي لا يحمل روحًا. وعن واقع الإهداءات: يشكو كثير من القرّاء من رتابة الإهداءات ورداءة خطوطها، أو من افتقارها إلى أدنى درجات التخصيص، حتى ليبدو الكاتب وكأنه يكتب للجميع، دون أن ينظر في وجه أحد. ولعل السبب في ذلك يعود إلى كثرة التواقيع، خصوصًا في معارض الكتب والفعاليات، حيث يجد الكاتب نفسه أمام مجموعة من القرّاء، فيوقّع على عجل: «إلى القارئ العزيز، مع المحبة»، دون أن يحاول أن يمنح تلك اللحظة معناها أو دفأها. الإهداء لا يحتاج إلى أن يكون قصيدة ولا خطابًا أدبيًا متكلفًا، بل يكفي أن يكون بسيطًا، صادقًا، نابعًا من لحظة تقدير حقيقية. حتى الكلمات القليلة، إذا كُتبت بخط مهتمّ وبروح صادقة، تصنع فرقًا كبيرًا في تجربة القارئ. لا شيء يمنع الكاتب من أن يسأل المتلقي عن اسمه، عن اهتماماته، أو حتى عن سبب اقتنائه للكتاب، ثم يبني على ذلك توقيعًا يحمل لمسة إنسانية فريدة. الكاتب كإنسان.. لا كبائع عليه أن يدرك أن الإهداء ليس جزءًا من صفقة بيع، بل هو امتدادٌ للعلاقة التي يرغب الكاتب في بنائها مع من يقرأ له. هو إعلان غير مباشر أن هذا العمل لم يُكتب ليُوضع على الرف، بل ليكون جزءًا من حياة شخص ما. ومتى أدرك الكاتب هذه المعادلة، تغيّر مفهوم التوقيع لديه من عبء إلى فرصة. نحن لا نطالب كل كاتب بأن يكون خطاطًا أو فنانًا، ولا أن يتحوّل توقيعه إلى عمل فني. ما نرجوه فقط هو أن يرى في لحظة الإهداء فرصةً لإضافة لمسة إنسانية إلى كتابه، تمامًا كما يعتني بصياغة جمله. أن يرى في القارئ فردًا، لا رقمًا. وفي التوقيع كلمةً لها روح، لا مجرد حبر على ورق.