في رواية ساعي بريد نيرودا عندما كتب نيرودا "تحياتي"، لماريو ذلك الإهداء اعتبره ساعي البريد توقيعًا بلا معنى وفكر في أن يعاود الذهاب إلى نيرودا كي يعيد صياغة التوقيع ف"يكون إهداؤه لي كأننا صديقان" بحسب تعبير ساعي البريد، حيث شعر ماريو بأن توقيع نيرودا لا تظهر فيه خصوصية الإهداء، بل إنه عندما كتب ذلك التوقيع كان ممسكًا ببصلة. في ظل المشهد السابق من رواية ساعي بريد نيرودا، كانت هذه الرؤى لعديد من القراء حول أهمية توقيع الكاتب وكتابة الإهداء.. «رمزية» حنان الحربش ترى أن القارئ بالنسبة إلى الكاتب هو الجمهور.. هو جزء من مجموع لا يمتلك خصوصية معينة. لهذا السبب يعتبر هذا النوع من عبارات الإهداء فضفاضًا وغير محدد.. وربما يكون مُحبطًا. وقالت: أعتقد أن الفكرة من الإهداء هي الحفاوة الرمزية.. توقيع كاتبك المفضل على أحد أعماله المحببة لديك.. سعادة على بساطتها تعني الكثير..!! «قيمه» عمر محمد العمودي يؤكد أهمية الإهداء ويقول: لعبارات الإهداء قيمة ووقعها في النفس كبير، سأسعد بأي إهداء لكن الإهداء الذي يحمل عبارة لطيفة أو الذي يتقدمه وصف صديق أو عزيز ولا سيما إن كان من كاتب فسأكون أكثر سعادة وأفخر به.. وكان لي موقف بعد جلسة مع أحد الكتاب لأول مرة أعرفه قبل حفل التوقيع، فأهداني كتابه وكانت طريقة إهدائه كما لو أني صديق.. أصبح ذلك الكتاب أهم الكتب التي بحوزتي بسبب العبارة والإهداء. «وقار» سلوى العتيبي ترى أن مسألة الإهداء لها القدر نفسه من الأهميَّة لدى القارئ والكاتب، حتى إن كتبه الأخير بشكل متعجِّل. غالبًا ما يكون الإهداء قصيرًا جدًا، ويكتب بإيجاز شديد. وتضيف: لديَّ ذلك الاهتمام الغريب بالإهداءات التي لم تكتب لي، بل انتهى بها المطاف في مكتبتي، لكتبٍ وهبها لي بعض الأصدقاء أو اقتنيتها من متجر للكتب المستعملة. هناك لمحة من الوقار تخص هذه الإهداءات، وأحب أن أحتفظ بها. واستشهدت بإهداء جوزيه ساراماغو في رواية «مسيرة الفيل»، «إلى بيلار، التي لم تتركني للموت». وعن إهداء ج. د. سالنجر لوالدته في رواية «الحارس في حقل الشوفان»، حين كتب بهدوء متَّزن، لكنَّه يفصح عن معاناة طويلة: «إلى أمي». «شعور» لا تهتم أسماء الفهد كثيرًا بكلمات الإهداء فهي تهتم بالمعنى وتقول: كل إهداء كتب لي بشكل خاص أعتبره مميزًا حتى إن كانت عباراته بسيطة؛ لأن خلفه شعور مهديه وكاتبه. الإهداء الذي أثر في جدًا ودمعت عيني هو إهداء طفلتي لي عندما عرفت كيف تمسك القلم، وقررت أن تشتري لي كتابًا وتكتب لي هذا الإهداء: «أمي يا نور العين، أنت طيف النور، كنت تشترين لي أشياء جميلة، واليوم أنا أشتري لك هدية بسيطة، ومن كل قلبي أحبك يا أمي». «تفاعل» ويؤكد أحمد الصايغ أن الإهداء يعزز العلاقة بين المؤلف والقارئ، وأن ظاهرة الإهداء تفاعل يدفع الحراك الثقافي، ويسهم في تقريب المسافة بين الكاتب والقارئ، وتقنية تسويقية تساعد الكاتب على الانتشار، رغم تحفظي على بعض المبالغة في صياغة الإهداء. «الهام» عائشة الفرحان ترى أن عبارات الإهداء التي يسطرها الكاتب في مؤلفاته تعبر عن شخصيته وملكته التعبيرية. والإهداء قد يكون مهمًا لتمييز الكاتب والفترة الزمنية التي كتب فيها ومروره بأحداث تاريخية مهمة، ومنه نستطيع معرفة الأشخاص المؤثرين في حياة الكاتب، الذين يساعدونه على الإلهام وأنا في الحقيقة لا أحرص كثيرًا على قراءة الإهداء إلا لكتاب معروفين.. وأتذكر أول إهداء قرأته للكاتب المنفلوطي عن البؤساء في كتابه العبرات. «ولع» فيما تهتم ليمار الشريف بعبارات الإهداء حيث تقول: أحب عبارات الإهداء وعند قراءتي لأي كتاب أبحث وأفتش عن الإهداء وأتوقف كثيرًا عند معناه ودلالته. هذه العبارات أراها تميز الكتاب وتحفزني على قراءته. والإهداءات المفضلة بالنسبة لي هي التي تبدأ ب «إلى» وبعدها وصف، فهذا يجعل الإهداء خاصًا ومتميزًا، وأعتقد أن ماريو بطل رواية ساعي نيرودا على حق عندما احتج على إهداء الشاعر نيرودا ف «تحياتي» عبارة تكتب للجميع. وأفضل عبارات الإهداء بالنسبة لي كانت للدكتور غازي القصيبي وحاليًا الكاتبة ندى ناصر، أما بالنسبة لي شخصيًا فقد كانت رسالة الدكتوراه لوالدي الذي خصني فيها بالإهداء، وربما هذا يفسر سر ولعي بعبارات الإهداء التي يدونها الكتاب في مؤلفاتهم. مؤلفون يوقعون كتبهم منصات التوقيع بمعارض الكتب المكان الأبرز لشيوع الإهداءات