تُعَدُّ (كأن) من الأدوات العربية البليغة التي تتنوّع دلالاتها بحسب السياق، فهي في الأصل حرف مشبّه بالفعل يعمل عمل «إنَّ» فينصب الاسم ويرفع الخبر، غير أنّ دلالتها البلاغية تتجاوز هذا الجانب النحوي إلى معانٍ دقيقة تتراوح بين التشبيه وغلبة الظن. أصل معنى (كأن) التشبيه، فهي تفيد الربط بين شيئين على وجه المشابهة مع بقاء الفارق بينهما. تقول: كأنّ القمرَ وجهُها، أي أن وجهها يشبه القمر في الجمال والإشراق. وهنا يُستَحضَر المشهد في صورة متخيلة تزيد المعنى وضوحًا وتأثيرًا. وقد استعمل القرآن الكريم هذا المعنى في قوله تعالى: (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) [المنافقون: 4]، أي يشبهون الخشب المسندة في جمودها وخوائها من الداخل. وتأتي (كأن) أحيانًا للدلالة على الترجيح وغلبة الظن، حين لا يكون المتكلم جازمًا بالحكم، فيورد عبارته بصيغة قريبة من التشبيه مع ميله إلى الاعتقاد. وهذا المعنى أدقّ من التشبيه المحض، إذ يحمل في طياته معنى التردّد أو التحفّظ. ولعل من أروع الشواهد القرآنية على هذا المعنى ما ورد في قصة بلقيس، ملكة سبأ، حين جاءها نبي الله سليمان عليه السلام بعرشها بعد أن نُقِل إليها على نحو خارق للعادة. قال تعالى: (قِيلَ أَهكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) [النمل: 42]. فهي لم تُجزِم بالقول: «هو»، ولم تُنكِر تمامًا، بل قالت: كأنّه هو، مراعيةً عنصر الدهشة من سرعة الانتقال، ومُظهرةً رجاحة عقلها وحذرها؛ إذ لم تُلقِ الكلام جزافًا، بل استعملت صيغة تفيد غلبة الظن، وهو الموقف الذي يليق بملكةٍ حصيفةٍ واجهت أمرًا خارقًا للعادة. في هذا الموضع القرآني تبرز البلاغة في تصوير الموقف: لو قالت «هو» لأوحت باليقين المطلق، ولو قالت «ليس هو» لأوحت بالإنكار، لكن تعبيرها ب «كأنّه هو» جمع بين الإدراك الحسي والتعجب من سرعة الإحضار، فجاء القول معبّرًا عن حالتها النفسية بدقة بالغة. إذن، (كأن) أداةٌ ثرية في العربية، تتسع دلالتها من التشبيه إلى التعبير عن غلبة الظن، ويكون تشبيهاً محضاً إذا وقع في الخبر اسم يمثل به اسمها، ويكون الخبر أرفع من الاسم، أو أحط منه، كقولنا: كأن زيداً ملك، أو كأن زيداً دابة. وأما إذا كان خبرها فعلاً، أو ظرفاً، أو مجروراً، أو صفة من صفات أسمائها، فإنها يدخلها حينئذ معنى الظن والحسبان، كقولنا: كأن زيداً قائم، أو كأن زيداً في الدار، فلست تشبه زيداً بشيء هاهنا، إنما تظن أنه قائم وأنه في الدار.