لم يكن مشري معروفًا لديّ قبل أمسية (ذاكرة القرى) التي قادني إليها المشهد الثقافي بحراكه النوعي في وقتنا الحالي، أسرتني فلسفته الفكرية فأخذني قلمي للكتابة عنه. حين يمرّ إنسان في الحياة فيترك أثرًا أعمق من خطاه، نعلم أننا أمام روح استثنائية عاشت لتقول، وكتبت لتشهد. ذلك هو عبد العزيز مشري، الأديب والروائي السعودي الذي كان يكتب وكأنه يزرع في الكلمات وجوه الناس وأحلامهم وأوجاعهم، ثم ينسحب بهدوء تاركًا خلفه جملة تختصر فلسفته في الوجود: مرّ من هنا إنسان. وُلد مشري في قرية محضرة التابعة لمنطقة الباحة، عام 1955، في بيئة قروية بسيطة شكّلت ذاكرته الفنية والإنسانية. كانت القرية بفضائها الطبيعي وبساطة ناسها مسرحًا دائمًا لأعماله القصصية والروائية، التي امتلأت برائحة التراب وصوت المطر ومشاهد الناس العابرين في صمت الحياة اليومية. جمع بين موهبتي الرسم والكتابة، عمل في الصحافة والثقافة، غير أن روحه كانت معلّقة بالكتابة؛ يكتب كمن يُنقذ شيئًا من الفناء. تميّز مشري بقدرته الفريدة على التقاط التفاصيل الصغيرة وتحويلها إلى نسيج أدبي نابض. لم يكن معنيًا بالحدث بقدر ما كان مأخوذًا بالإنسان: وجعه، حيرته، بحثه الدائم عن معنى. لذلك كانت قصصه ومقالاته مرايا صادقة للقرى الجنوبية، تُبرز دفء العلاقات ومآسيها، وتُصوّر الإنسان في أبسط تجلياته وأكثرها عمقًا. من أبرز أعماله: ريح الكادي، الوسمية، الغيوم ومنابت الشجر، والحصون. في كل هذه الأعمال ظلّ مشري وفيًّا للبيئة التي أنجبته، جعل من القرويّ رمزًا إنسانيًا واسع الأفق. كتب بلغة شاعرية تنضح بالصدق والعفوية، وابتعد عن الزخارف، فكان صوته صوت الإنسان العادي الذي يمرّ من الحياة مرورًا يليق بالبقاء. رحل عبد العزيز مشري عام 2000 بعد معاناة مع المرض، لكنه لم يرحل من الذاكرة. ظلّت عبارته «مرّ من هنا إنسان» بمثابة وشم على جدار الأدب السعودي الحديث، تلخّص حضورًا أدبيًا وإنسانيًا نادرًا. لقد كان إنسانًا بكل ما تعنيه الكلمة، عاش بسيطًا، كتب عميقًا، ورحل في صمت... لكنه ما زال «يمرّ من هنا» في كل نصّ يُروى عن الإنسان. الراحل عبدالعزيز مشري خلال مرضه محاطاً بأصدقائه ويبدو في الصورة الأديب الرائد عبدالكريم الجهيمان رحمه الله عبدالعزيز مشري