قرأتُ عبارة «الوجع الجميل» في إحدى ملصقات مواقع التواصل الاجتماعي، فثارت في نفسي جملة من التساؤلات: كيف يكون الوجع جميلاً؟ وهل حقاً يُوجد وجعٌ جميل؟! ومنذ متى كان التوجع جميلاً؟ بعد استحضار المواقف والتأمل فيها ذهبت إلى أن هناك لحظات في حياتنا لا نستطيع أن نصفها سوى بأنها «وجع جميل». ليست سعادة محضة، وليست حزنًا خالصًا، بل مزيج عجيب من المشاعر التي تعبر القلب مرور العاصفة الهادئة. قد يكون وجع فقد، أو ذكرى حبٍ، أو حتى شوق لشخصٍ رحل دون وداع. ووجدتُ أن الوجع الجميل لا يبكينا فقط، إنما يعلمنا. يجعلنا نعيد ترتيب أنفسنا، ونفهم قلوبنا بعمقٍ أكبر. ويخلق فينا تلك المساحة الهادئة بين الألم والنضج. تمامًا مثل ما عبّر جبران خليل جبران: «إنما الحزنُ بالذات هو الذي يفتح قلبك لتقدير الفرح، كما أن الألم يحفر في كيانك ليُفسح مجالًا للبهجة». إنه ذلك النوع من الألم الذي لا نريد التخلص منه، لأنه يحمل في طياته جزءًا منّا، من ماضينا، من لحظاتنا التي لم تكتمل، ولكنها كانت صادقة، وأجمل ما فيه أنه يثبت أننا عشنا بصدق، وأحببنا بصدق، ومررنا بتجارب شكّلتنا وإن لم تكتمل! هو ألم يحمل نضجًا، لا مرارة. نعود إليه بين الحين والآخر لا لنحزن، بل لنبتسم بخفة، ونهمس: «كنت هناك، وعشت تلك اللحظة... وأنا اليوم أقوى» كما قال الشافعي في بيت من أجمل ما قيل عن التسليم والتجلّد: «دعِ الأيامَ تفعلُ ما تشاءُ... وطب نفسًا إذا حكمَ القضاءُ». وما أجمله من وجع حين يكون حنينًا إلى حضن الأم، تلك المساحة الأبدية من الطمأنينة. إذ لا يمكن أن نقرأ أبيات محمود درويش دون أن نشعر بذلك الوجع الدافئ: «أحنّ إلى خبز أمي، وقهوة أمي... ولمسة أمي... وأنام، فأصير طفلًا... وتكبر فيّ الأحلام». أحيانًا، كل ما نحتاجه لنستحضر وجعًا جميلًا سيمفونية قديمة، أو رائحة عطر مألوفة، أو مرور عابر في شارع يحمل في ذاكرته قصة لا تنسى. يتجلى ذلك في وصف واسيني الأعرج: «الألم لا يرحل كما نعتقد، هو يسكن في التفاصيل الصغيرة، في الأغاني، في الأماكن، في الروائح، ويزورنا خِلسة». فما أجمل أن يكون للتوجع طعمٌ لا نكرهه، وللحزن ظلّ لا يخنقنا، بل يُذكّرنا بأننا ما زلنا أحياء... نحب، ونشتاق، ونحفظ في ذاكرتنا تفاصيل لا تُنسى.