حين قلبتُ الصفحة الأخيرة من رواية الشيخ والبحر.. شعرتُ كأنّي قد خرجتُ من قُمقُم نفسي ثمّ عدتُ إليها مُحمّلًا بما ليس منها، وكأني أُغلق بابًا على حياةٍ كاملة، حياةٍ لم تكن لتُروى عن شيخٍ كوبي يُصارع البحر فقط، بل عن الإنسان كلّه في صراعه الأزلي مع (...)
لطالما عُولج النحو التقليدي وكأنّه مجموعة من القوانين الرياضية الثابتة، لكنّه حينما يتنفّس داخل العقل البشري يتحوّل إلى كائن متحرّر. وهكذا لا يغدو النحو مجرّد سُلّم يتسلّقه المتكلّمون بحذر، بل يُصبح نسيجًا عضويًا يتشكّل بتجربة الإنسان الإدراكية (...)
بينما كنتُ أرتّب مكتبتي وأنفض الغبار عن بعض رفوفها، إذ بي أقع على رواية خفيفة في حجمها وظلّها للدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- كنتُ قد قرأتها قبل قرابة العشرين عامًا تحمل عنوانًا لافتًا: «هُما». عنوانٌ لا يُخبرك الكثير، لكنّه يُغريك بكل شيء.. أتذكّر (...)
في مقال علمي بعنوان "هل تنتمي التداولية إلى العلوم الإمبريقية؟" يطرح تونيسن (Tonissen) تساؤلًا جيدًا في المشهد اللغوي: هل يُمكن احتساب التداولية ضمن فروع العلوم الإمبريقية؟ وهل يُمكن إخضاعها للمنهج التجريبي؟
ينطلق تونيسن من استعراضٍ تأريخي لمفهوم (...)
يطرح هذا المقال التساؤل التالي: هل يُمكن للغة أن تتحوّل إلى شكلٍ من أشكال الدوغمائية المطفِئة لجذوة العقل والحرية والفكر؟
للوهلة الأولى تبدو اللغة أداةً بريئة ومحايدة، لا تتعدّى كونها وسيلةً للتفاهم وتبادل المعاني. لكنها حين تخضع للتأمل والنقد (...)
كلُّ عامٍ جديد يهلّ علينا ما هو إلا نافذةٌ تُطلّ على الاحتمال، إنّه صفحةٌ بيضاء تنتظر مدادًا من الإرادة؛ حيث نقف على أعتابه كما يقف المسافر في أول الطريق، تتنازعنا مشاعر مختلطة بين فرحة التحوّل والتجدّد، وخشية التكرار والتردّد. فالأعوام ليست سوى (...)
يقول أستاذ اللسانيات وعلوم اللغة في جامعة باريس الشرقية مانغونو (Maingueneau): «إنّ كلّ تواصلٍ مكتوب ما هو إلا تواصلٌ هش»؛ حيث إنَّ المتلقي لا يُشارك المتلفظ مقام تلفظه، وقد شبَّه إيكو (Eco) طرح كتاب على الناس بإلقاء قارورة في بحر، فثمّة في نظره (...)
في غياهب الذّات حيث تتنامى الأسئلة وتضمحلّ الإجابات، يقبع "سجين العقل" ليس خلف قضبان الحديد، بل خلف أسوارٍ من مفاهيم معقّدة، وأنماطٍ شُيّدت ببطء من تصوّراتٍ مجرّدة، كأنها قلاعٌ من وهمٍ صلب. يُسجن هذا الإنسان لا لأنّ قوة قاهرة أرغمته، بل لأنّ العقل (...)
تُبادِرنا السينوغرافيا بطرحِ تساؤلاتِها المتجدّدة: كيف نرى ما نسمع؟ وكيف نسمع ما نرى؟ وكأنها ثنائية العين والأذن. فليست السينوغرافيا في جوهرها إلا فنًّا يُعنى بتصميم المشهد المسرحي، حيث يصبح التحكم بالإضاءة والمكونات والأصوات والفضاء باعثًا لخلق (...)
لا أُخفي أنْ كنتُ في السابق من أنصار ترك هوامش الكتب نظيفة برّاقة لا يعتريها عبث؛ حيث كنتُ أرى في الكتاب مقامًا لا ينبغي تدنيسه.. قبل أن أُغيِّر قناعتي بذلك تمامًا، لأجد رائحة أحباري تفوح بين سطور الكُتب كلِّ الكتب؛ حيث أيقنت أنّ القراءة التي لا (...)
لا تحظى التفكيكية بفكرة مألوفة إزاء المعنى كغيرها من المقاربات، فعندما ننطلق من المقاربة التداولية -على سبيل المثال- فستكون مسؤولية المعنى أمرًا مُشتركًا بين المتكلم والمتلقي، وإن عُدنا إلى البنيوية قبلها فسيتّخذ المعنى اتجاهًا أُحاديًّا من الدالِّ (...)
تبقى معضلة ثيسيوس الأسطوريّة وسؤالها الفلسفي الجدلي هاجسًا يستنطق ذواتنا. إنّها تساؤل حول الهُوية المتغيّرة بمرور الزمان. حيث تُعدّ هذه المعضلة من أكثر الألغاز الفلسفية إثارة للتأمل، وتطرح تجربة فكرية - تُنسب إلى الفيلسوف اليوناني بلوتارخ - تتمثّل (...)
كلّ إدراك حسي يحمل معه أُفقًا من الإمكانات غير المرئية، فعندما تنظر إلى مبنى أمامك فإنّك لا ترى واجهته فقط، بل تتنبّأ بوجود جوانب خلفية له حتى لو لم ترها، ربما كان هذا اختزال مبالغ فيه لبناء تصوّرات أوّليّة عن فلسفة الألماني إدموند هوسرل الظاهراتية (...)
لطالما بدت اللغة والفيزياء كعالمَين منفصلين: أحدهما يدرس كينونة الإنسان وتعابيره الرمزية، والآخر يُحاول فكّ شفرات الكون المادية.
غير أنّ تعدّد مشارب الدراسات اللسانية وفقًا لما فرضه الواقع العلمي الجديد من تداخل الاختصاصات، وعلى اعتبار أنّ اللغة (...)
في زمنٍ كان فيه العالم الإسلامي يموج بأسئلة الوجود بين قصور بغداد ومدارس نيسابور، كان عبدالقاهر الجرجاني يجلس في محراب فكره، يتأمّل ويتدبّر آيات القرآن، وكأنّه يفتح أبوابًا على عالمٍ لم يُكشف بعد؛ حيث كان القرن الخامس الهجري يشهد صراعًا فكريًّا حول (...)
في إحدى الليالي وبينما كنتُ أشاهد فيلم خيال علمي، إذ بي أتوقّف عند عبارة غريبة: «كل كلمة لم تُنطق هي بوابةٌ لعالم لم يُولد بعد» حايثتُ قليلاً، ثم تساءلت: كيف لِحروفٍ جامدة أن تحمل هذا السحر؟ وكيف تُخرِج اللغة من مكنونها عوالمَ موازيةً لوجودنا؟ هكذا (...)
بالطبع ليست مصطلحاتٍ فيزيائية محضة، ولكن ثمّة تقاطع مفاهيمي جلي، فكما أنّ النِّسبية على مستوى المصطلح قد هاجرت من اللغة إلى الفيزياء ثم عادت في هجرة عكسيّة إلى اللغة محمَّلَة بمفاهيم جديدة، فكذلك هو الحال مع الكُموميّة التي أصبحت تجلياتها واضحة في (...)
تستقبل المملكة هذا اليوم مناسبة غالية على قلوبنا، يستشعر فيها المواطن الإنجازات التي دوّنها المؤسس -طيب الله ثراه- في سجل المملكة الحافل، حيث أثبت فيها أن لكل تاريخ مشرف.. حاضر مشرق، لقد شهدت المملكة نقلات نوعية شاملة في مختلف المجالات والميادين (...)
يُمثل التفكير المؤامراتي نمطًا سطحيًّا ويائسًا للتّخفف من أعباء التحليل المنطقي والعلمي في طريقة بعضهم نحو استكشاف الحقيقة؛ حيث تتحرّى بعض النفوس بطبعها عن ما يقود إلى تفسير الأحداث والظواهر عبر التشبّث بأقرب فكرة تواطؤية كي تُبرّر لها ضلالاتها (...)
بعد أن قدّم غرايس في نظريته للاستدلال التداولي ما يُبرر الخروقات التي تطرأ على المنطق في اللغة وما تناوله في مبدأ التعاون وقواعده الأربع من تفسيراتٍ تُفضي إلى الاستلزام الحواري، قدّم كلٌ من سباربر وويلسون في الثمانينات من القرن الماضي نظريتهما (...)
مثّلت الفلسفة القارية تيارًا ذا أهمية كبرى انبثق في أوروبا القاريّة وخاصة ألمانيا وفرنسا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، في مرحلةٍ بدا وكأنّ الفلسفة التحليلية السائدة في العالم الأنغلوسكسوني قد أفل نجمها ولم يعد لها ما يربطها بعالم اليوم. فإذا (...)
على الرغم من كون إميل بنفنست 1902 - 1976م من الرّواد الأوائل الذين أسهموا بطريقة أو بأخرى في التنظير للسانيات البنيوية إلا أنّه مثل الكثير من الفلاسفة المعاصرين واللسانيين الذين مرُّوا بمرحلتين تنظيريتين واستدراكات متعددة، فعلى الرغم من إسهاماته (...)
يُقال إنَّ الإنسان ابن ذاكرته، فهي ذاته وكينونته التي لا تغيب، ولو قُدّر لها أن تغيب فسيغيب هو الآخر معها، هكذا بظني من واقع الفلسفة المثالية، وأزعم أنّ الكثير يتفق معي في ذلك، ولأنّ اللغة والفكر هما ما يُميزان الإنسان عن غيره فإنّه لمن المُسلَّم به (...)
تتطلّب عملية التلفُّظ في الخطاب شكلاً من العناصر التي تُحدّد الكيانات والاتجاهات، وتؤدّي المُشيرات في الخطاب دورًا يتراوح بين الشكل اللساني والمضمون التداولي؛ حيث إنَّها تُحيل على عناصر تُسهم بشكل أو بآخر في تحديد مقام التلفُّظ الذي يتطلّب بدوره فهم (...)