جميع البشر تقريبًا، يعتقدون أن هناك أناسًا لهم قيمة معنوية، وهناك أناس ليس لهم قيمة معنوية. بمعنى أن هذا شخص عاديّ، يمشي في الشوارع، ويأكل في الأسواق... إلى آخره. بينما الشخص ذاته الذي يعتقدون أنه عاديّ، حينما يكون وزيرًا، أو نائبًا لوزير، أو رئيسًا تنفيذيًا لشركة عملاقة، فإنهم يبدؤون بكيل المديح له وتقديره وتبجيله وتعزيز مكانته الاجتماعية. فإذا تدبّرت فلتات ألسنتهم ونظراتهم، تجد أنهم يقولون: هذا له مكانة اجتماعية معنوية، كذا وكذا. بينما هم أنفسهم، والشخص ذاته، لم يكونوا يطلقون عليه هذا الوصف حينما لم يكن وزيرًا، أو قبل أن يكون رئيسًا تنفيذيًا لشركة كبيرة. هذا يعني أن في الفكر البشري «حماقةً» يعتقد الناس بصحتها، بينما هي شيء غير صحيح. فكم من وزراء في دول عديدة حول العالم انتهى بهم الأمر إلى السجون! فما هي المكانة المعنوية التي كانت لهم؟ لا توجد. لقد كانوا لصوصًا حينما كانوا وزراء، ومن قبل أن يكونوا وزراء، منذ أن كانوا رجالًا عاديين، مثلهم مثل أي شخص آخر. لكن الفرق أن الناس لم تكتشف أنهم لصوص إلا بعد أن خرجت فضائحهم إلى العلن. لذلك، لا يوجد شيء اسمه «قيمة معنوية» لأن المنصب كذا وكذا، أو لأن الوظيفة في القطاع الخاص رئيس تنفيذي أو مدير تنفيذي كبير لشركة عملاقة. القيمة المعنوية للشخص تكون بسموّ الخلق، بالصدق، بالوفاء، بالإحسان، وبكفّ الأذى عن الناس، وبتهذيب القسوة في القلب. هذه هي القيمة المعنوية الحقيقية للبشر، سواء كنت عامل نظافة في الشوارع أو كنت وزيرًا. فعامل النظافة قد يولد ويموت دون أن يختلس أو يكون لصًا، بينما الجميع يعلم، في كل المجتمعات والشعوب حول العالم، أن هناك وزراء أُدخلوا إلى السجون بتهم ثبتت عليهم، بل واعترفوا بها، بأنهم اختلسوا، وكانوا لصوصًا. هذه الحماقات الفكرية نجدها - للأسف الشديد - حينما يتحدث الناس بين بعضهم البعض في المجالس، وفي الاجتماعات، وفي الدواوين، وفي المقاهي؛ يتصرفون بناءً على ذلك ووفقًا له. وللأسف الشديد، فإن هذا الشيء يمنح الوصوليين والاستغلاليين فرصةً لإخراج عقدهم النفسية وأذاهم على الآخرين. كيف؟ بالطريقة التالية: أنه يكون مضطرًا لأن يبدو إنسانًا نبيلًا، جيدًا، نظيفًا، نزيهًا حينما لا يكون شيئًا مذكورًا، حتى تحين له الفرصة بأن يعتلي منصبًا معينًا، سواء في قطاع حكومي أو في القطاع الخاص. ومن ثم يبدأ بالغدر بالناس، فيؤذي هذا ويؤذي ذاك. والطيبون من البشر ستنطلي عليهم هذه الأمور، وسيتم إيذاؤهم كثيرًا. لماذا؟ ليس لأنهم لا يستطيعون ردّ الأذى، ولكن لأنهم كوّنوا صورةً وتاريخًا عن هذا الشخص بأنه كان نزيهًا، صادقًا، غير مؤذٍ قبل أن يعتلي المنصب. فيظنون أنه لا يقصد الأذى حينما يفعله الآن، بل يبررونه بأنه ربما تصرّف بسوء تقديرٍ لبعض المعطيات. وبناءً على ذلك، يبدأ الطيبون بالشك في أنفسهم، فيظنون أنهم قد يكونون ارتكبوا خطأ، والدليل أن هذا الشخص لم يفعل معهم ما يفعله الآن حينما كان رجلًا عاديًا. فماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أنه لم يكن نزيهًا ولا صادقًا في حياته، لكنه لم يكن يملك القوة التي تساعده على أن يُلحق الأذى بالآخرين. أمّا الآن، فهذه القوة أصبحت بيده وبين ذراعيه. لذا، فهو يخوض في أرواح ونفوس البشر أذيةً وإيغالًا في الصدور. ويؤذي كلّ من كان حوله وقريبًا منه.