في مشهدٍ يتكرر يوميًا على منصات التواصل الاجتماعي، نرى تدافعًا وصراخًا حول مسوقين لمنتجات أو أنماط حياة لم يدفعوا ثمنها، يتباهون بما لا يملكون، ويبيعون الوهم لملايين المتابعين. مشاهد كهذه تثير في النفس الكثير من التساؤلات وعلامات التعجب، بل تصل حدَّ الاشمئزاز من حالٍ بات فيه المظهر يغلب الجوهر، والزيف يتقدم على الحقيقة. يبذل الوالدان الغالي والنفيس لتربية أبنائهما تربية صالحة، فيحرمان نفسيهما من كثيرٍ من الملذات ليقدّما للمجتمع لبناتٍ من الخير والصلاح، وأملًا في غدٍ أفضل، لكن فجأة، يجدان أن أسوار التربية بدأت تُقتحم، وأن حصون القيم تُدكّ، بعدما دخل هؤلاء المسوقون إلى عمق الأسرة، متسلّحين بوسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تتحكم في مفاصل الحياة، وتشكّل نافذة الجيل الحديث على العالم، ولا يخفى على أحد أن أغلب هؤلاء المسوقين ممن يصفهم الناس ب"المشاهير"، لا يتجاوز هدفهم حدود المال، ومن أجله يفعلون كل شيء، فتبرّجت الأنثى وألقت الحياء خلفها، وضاعت ملامح الرجولة في الذكور الذين انساقوا خلف الشهرة والمظاهر، قافزين على العادات والتقاليد الأصيلة. المؤسف أن بعض أفراد المجتمع باتوا يرون فيهم القدوة، رغم أنهم يقدمون القدوة السيئة، في الوقت الذي يعاني فيه المربّي الحريص من ضغطٍ كبير في سبيل الحفاظ على التنشئة السليمة المبنية على الدين والأخلاق والعادات الراسخة. إن مسؤولية التصدي لهذا الغزو الناعم لا تقع على الأسرة وحدها، بل هي مسؤولية جماعية تتشارك فيها المدرسة، والإعلام، والمؤسسات الدينية والتربوية والثقافية؛ لذلك علينا أن نعيد بناء الوعي في نفوس أبنائنا، ونزرع فيهم الثقة بأن القدوة الحقيقية ليست في عدد المتابعين، بل في عمق الأثر، ونبل السلوك، وصدق العمل ، فإذا اتحدت الجهود وتكاتفت الإرادات، فلن يكون لمروّجي الوهم مكان، وستبقى القيم هي الراية التي ترفع وتحصّن أجياله من كل زيف، وكلنا في خدمة الوطن.