تناولت في المقالات السابقة قضية تأخر زواج الفتيات والفتيان في المجتمع السعودي (مع ملاحظة أن إحدى المداخِلات على موقع الرياض لفتت انتباهي إلى استخدام كلمة "تأخر" في المقال والذي يفترض أن هناك سنا محددا للزواج تأخرن عنه وهو ما يتعارض مع لب الموضوع وأنا أتفق معها في هذا الموقف). ثم انتقلت للحديث عن السبب الحقيقي وراء عزوف الشباب عن الزواج والذي يعود بالدرجة الأولى إلى أسباب اقتصادية، فاستطردنا الحديث عن البطالة وإشكالية قدرة الشباب على التفكير في الزواج لهذا المانع. وفي هذا المقال سوف نتناول الجزء الثاني من موانع زواج الشباب وهو توفر المسكن المناسب أو قصة "بيت الزوجية". فيقول الدكتور عبدالعزيز العويشق في مقاله "العرض والطلب على العقار.. وآليات السوق"، في الوطن 17/11/2009: "أظهر آخر تعداد للسكان في المملكة في عام 2004 أن حوالي 42% من الأسر السعودية لا تملك سكنها. ووفقاً لذلك، فإن نحو ثمانية ملايين مواطن لا يملكون مسكناً في الوقت الحاضر. ومنذ ذلك الوقت أصبح تملك السكن أكثر صعوبة، فقد تضاعفت أسعار الأراضي ومواد البناء وتكلفة المقاولين، مما أدى إلى زيادة هذه النسبة". أعيد وراءه مشدوهة، ثمانية ملايين؟؟. ويعزو ذلك إلى عدد من الأسباب، منها: " - البطالة. - أجور العاملين من الشباب التي لم ترتفع بما يوازي ارتفاع تكلفة شراء السكن.- عدم توفر برامج إسكان كافية. - محدودية البرنامج الرئيسي لتمويل الإسكان، وهو صندوق التنمية العقارية الذي لم يستطع مواكبة الطلب المتزايد، حيث تبلغ فترة الانتظار حوالي ثماني سنوات، وفي حالة تأهل المواطن للقرض فإن قيمته قد لا تكفي لبناء أو شراء مسكن ملائم.- صعوبة الاقتراض، نظراً إلى عدم وجود نظام للرهن العقاري يحمي حقوق المقرضين، مما يعني عملياً أن معظم القروض التي تمنحها البنوك لأغراض تملك العقار هي قروض شخصية استهلاكية في طبيعتها، أي إنها عالية التكلفة ومحدودة المدة، مما يمنع الكثير من الشباب، إن لم يكن معظمهم، من التأهل لهذه القروض.- ارتفاع تكلفة الاقتراض، بسبب ضعف البنية التحتية القانونية والمعلوماتية التي تحمي حقوق البنوك، مما يدفع البنوك إلى رفع التكلفة لتغطية المخاطرة الإضافية.- عدم وجود سوق تنافسية بشكل كاف في سوق الإقراض، أي إن البنوك وعددها محدود تستطيع بكل بساطة رفض طلب القرض، أو وضع شروط لا يقبلها طالبه. وقد أتاح هذا الوضع الفرصة للكثير من الاستغلال من قبل مكاتب ومؤسسات الإقراض والتقسيط التي تسعى إلى سد الفجوة التمويلية". ولم تتمكن البنوك الخليجية التي سُمح لها بدخول السوق على استحياء، ملء هذا الفراغ بعد. فكيف بشاب بالكاد يمكنه الحصول على وظيفة وبالكاد يمكنه تجميع مبلغ لتأسيس منزل، وبالكاد يستطيع الحصول على قرض أو مسكن أو نصف مسكن، كيف لهذا الشاب أن يتجرأ للتقدم إلى أي أسرة لطلب يد ابنتهم التي رأتها أمه أو أخته ولا يعرفون عنه سوى ما يمكن أن يثبته بشكل مادي من تجهيزات الزواج ومقر عش الزوجية، ومصدر الدخل الدائم الذي يسمح لأي أب أو ولي بأن يوافق على أساسه بتزويج ابنته. النتيجة المؤلمة، هو أنه بالكاد لهذا الشاب أن يتمكن من الزواج في سن ما يعرف بسن الزواج في العشرينيات أو حتى الثلاثينيات. وتتعقد المسألة عندما تتداخل الأبعاد الاجتماعية والتقاليدية مع الاقتصادية، وهو ما سنفصل فيه في مقال قادم. وكل عام وأنتم بخير.