في خضم الحديث عن رسوم الأراضي البيضاء وما رافقها من جدل، لم يتوقف كثيرون عند الجانب الإنساني لما يجري. فال"هبة" التي تُمنح اليوم كحل سريع للتهرب من الرسوم، قد تُصبح غدًا بذرة خلاف داخل البيت الواحد. الأرض ليست مجرد مترات على ورق، بل هي جزء من تاريخ العائلة ورمز لامتدادها. حين يقرر أب أن يهب قطعة لابنه أو زوجته على نية استردادها لاحقا، قد تتغير المعادلة بوفاته أو تبدل الظروف. الورثة سيختلفون، الزوجة قد تُحاصر بالشكوك، والإخوة قد يجدون أنفسهم أمام قضايا مريرة في المحاكم. ما بدأ خطوة ذكية لتقليص التكلفة قد ينتهي خصاما يلتهم صلة الرحم.الأخطر أن بعض الهبات تُسجَّل بأسماء قُصَّر، وكأن الأطفال أوراق لتوزيع الملكية. هؤلاء الصغار سيكبرون وهم يحملون عبء قرارات لم يختاروها، وربما يدخلون نزاعات على أرض لا يعرفون حتى لماذا وُضعت أسماؤهم فيها، هنا تتعدى القضية الأبعاد الاقتصادية إلى بعد أخلاقي وإنساني لا يمكن تجاهله. تسوية الرسوم أو التحايل عليها شأن يمكن معالجته بالقوانين واللوائح، لكن استعادة ثقة مفقودة بين أفراد الأسرة ليست مهمة يسيرة. فالمكسب المالي اللحظي لا يعادل خسارة وحدة البيت، ولا شيء يبرر أن تتحول الأرض –وهي في الأصل رمز للاستقرار– إلى وقود للنزاع. لذلك، حين نفكر في الهبة، علينا أن نسأل أنفسنا: هل ما نفعله اليوم سيُذكر غدا كهبة للود والطمأنينة، أم كهبة أورثت خلافا؟ ربما هذه الزاوية الإنسانية التي تغيب وسط ضجيج الأرقام هي ما نحتاج أن نتأملها بصدق.