من عجيب ما تفعله قطرات المطر بقلوبنا، أنها تأتي دائمًا وكأنها رسالة سماوية صغيرة؛ توقِظ في الداخل شيئًا نقيًا، وتعيد ترتيب مشاعرنا بلمسة خفيفة لا تُرى لكنها تُحس فما إن تهطل أولى القطرات، حتى يبدأ الفرح ينساب في البيوت والطرقات، فنرى الأطفال مستبشرين يركضون تحته ويرقصون بفرح، ينادي بعضهم بعضًا وكأن الدنيا وُلدت من جديد، وكلما اشتد المطر دخلوا وهم يراقبونه من الشباك والباب مستمتعين. ولم تكن هذه الفرحة تخص الأطفال وحدهم؛ بل حتى نحن الكبار نفرح برؤية السماء وهي محمّلة بالغيوم، وندعو الله أن يجعل هذا المطر مطرًا مباركًا. وكأن المطر في قاموسنا العربي، والخليجي على وجه الخصوص، بُشرى وفرح وتجلي لكل المعاني الشاعرية بداخلنا؛ فجعلنا له قصيدة وأغنية وطقوسًا: خروجًا للبر، أو احتساء الكرك والقهوة... ولكل بيت طقوسه المتشابهة تقريبًا. وهذه المعالم تختلف تمامًا عما ذكره أحد الأجانب الذي عاش في دولة خليجية؛ فقد كتب عن تعجّبه من فرحة العرب بالمطر ورقصهم تحته، بينما المطر في ثقافتهم رمزٌ للأيام الحزينة والكئيبة، ويرون أنه يعطل أعمالهم ويستدعي في نفوسهم مشاعر الضيق واليأس. وقد رأيت هذا بنفسي حين زرتُ إحدى الدول الأوروبية؛ نزل المطر وأنا سعيدة بتجربة هذا الشعور خارج موطني، لكن المارة حولي كانوا بلا تعابير... كأن المطر يومٌ عادي، أو ربما يوم رمادي كما يراه أصحاب تلك البلاد. ولنا نحن المسلمين في رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ فقد كان يفرح بنزول المطر ويدعو: «اللهم صَيِّبًا نافعًا». وكان يتعرض للمطر بكشف شيء من جسده لينال بركته، وعند اشتداده يقول: «اللهم حوالينا ولا علينا». وبعد انقضائه يقول: «مُطِرنا بفضل الله ورحمته». وإذا سمع الرعد قال: «سبحان الذي يُسبِّح الرعدُ بحمده». هكذا يبقى المطر مرآةً لثقافات القلوب؛ فمنهم من يراه ثِقَلاً رماديًا، ومنهم من يستقبله بطمأنينة وامتنان. أمّا نحن، فكلما هطلت قطراته شعرنا بأن روحًا جديدة تسري في الأرض، وأن شيئًا في الداخل يعود إلى صفائه الأول. فالحمد لله على مطرٍ يوقظ الحياة في التربة... ويوقظ الحياة فينا أيضًا.