لا يختلف اثنان في أن المرأة نصف المجتمع وعماده، فقد أثبتت مكانتها ودورها الاجتماعي باستحقاق وجدارة، وبفضل الحركية الاجتماعية والتكنولوجية التي شهدتها المجتمعات اقتحمت المرأة مختلف المجالات المهنية جنبًا إلى جنب مع الرجل، لتصبح قوة فاعلة في مجتمعها. لقد مكَّن دخول المرأة عالم العمل من تحقيق ذاتها وأشعرها بقيمة نفسها وأهميتها، وانطلقت بذلك في تحقيق طموحاتها واكتشاف قدراتها المهنية، وشكَّل مجال العمل لديها خطوة نحو تحررها من القيود المجتمعية التي كانت مفروضة عليها منذ عقود، كالقول بأن المرأة مكانها البيت وتربية الأبناء ورعاية الزوج وخدمته أو العائلة ككل، لكن هل شكل عمل المرأة حقًّا إضافة نوعية في حياتها ودورها وفي نظرة الآخر إليها؟ تشير عديد من الدراسات السوسيولوجية والسيكولوجية إلى أن دخول المرأة إلى عالم العمل كان له سلبياته أيضًا سواء من الناحية الأسرية أو المهنية، ففي المجال الأسري لا تزال المرأة العاملة تمارس وظيفتها التقليدية داخل البيت من تنظيف وطبخ وتربية الأبناء ورعايتهم إذا كانت متزوجة، على الرغم من استعانتها في بعض الأحيان بالأجهزة والأدوات المنزلية المتطورة لمساعدتها أو حتى استقدام عاملات نظافة بالنسبة إلى العاملات ميسورات الحال، وعلى العموم فإن عمل المرأة خارج البيت أضاف إليها التزامات وأعمالا جديدة زيدت على أعمالها التقليدية، أما على المستوى المهني فإن ضغوط العمل لها دور كبير في التأثير في الصحة الجسمية والنفسية للمرأة، والتي يكون سببها أحيانًا سوء المعاملة والتقدير داخل مكان العمل وطول مدة الدوام وكثافته، ما يؤدي في الأخير إلى إرهاقها جسديًّا ونفسيًّا، ناهيك عن المشكلات الاجتماعية التي تفاقم من معاناة المرأة كبعد مكان العمل عن بيتها واضطرارها إلى أن تستقل المواصلات يوميًّا للوصول في الوقت المحدد، أمَّا إذا كانت المرأة العاملة أُمًّا فإن تفكيرها وقلقها سينصب دائمًا حول حالة أبنائها حتى وإن كانت قد وضعتهم في حضانة أو عند مربية خاصة. إن توفيق المرأة بين وظيفتها الأسرية والمهنية ليس بالأمر الهين، غير أنه يحتاج إلى تضافر الجهود داخل العائلة، وإلى تَفهُّم كل الأطراف وقيامهم بمختلف الأدوار دون تمييز أو فوقية، فلا يحق للزوج مثلًا أن يتبجَّح بالسلطة داخل بيته وعلى زوجته التي هي عاملة مثله، إذ يمكنه المساهمة في الأعمال المنزلية إلى جانب زوجته وأبنائه كنوع من أنواع التعاون الأسري الذي لا يخرج عن إطار ما جاء به ديننا الحنيف، فلن نكون أحسن خلقًا من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- الذي كان يقضي وقته في مهنة أهله وخدمتهم.