يقف لبنان مجدداً أمام منعطف سياسي وأمني بالغ الحساسية، في ظل تصاعد الضغوط الدولية والداخلية المرتبطة بملف سلاح حزب الله، بالتزامن مع استمرار الغارات الإسرائيلية المكثفة على الجنوب خلال الأيام الأخيرة. هذا الواقع المعقد يضع الدولة اللبنانية أمام اختبار صعب يتعلق بقدرتها على ضبط المشهد الأمني، وتحديد دور مؤسساتها العسكرية، وعلى رأسها الجيش اللبناني، في ظل رسائل إقليمية ودولية متشابكة. وأعاد التصعيد الأخير تسليط الضوء على حدود الدور الرسمي للدولة، لا سيما بعد بيان الجيش اللبناني المتعلق بحادثة يانوح، والذي أكد فيه استمرار انتشار قواته في محيط الموقع المعني. ورغم أن الخطوة عكست محاولة واضحة لتأكيد حضور الدولة، إلا أنها لم تكن كافية لاحتواء التداعيات، خصوصاً مع تداول معلومات عن رسالة إسرائيلية نُقلت إلى بيروت عبر واشنطن، تحذّر من أي تنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله. ويرى مراقبون أن هذه الرسالة تعكس موقفاً دولياً متقدماً يقوم على فصل مسار التفاوض السياسي بين لبنان وإسرائيل عن مسار المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحزب الله. ووفق هذا المنطق، فإن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية لا يرتبط بأي تقدم تفاوضي، ما يعني عملياً أن الضربات ستتواصل بغض النظر عن الجهود الدبلوماسية التي تقودها الدولة اللبنانية. في هذا السياق، يعتبر خبراء أن الخطوات اللبنانية الأخيرة، بما في ذلك تعيين شخصيات دبلوماسية لقيادة مسار التفاوض، لم تتجاوز الإطار الشكلي؛ إذ لم تُحدث تحولاً حقيقياً في موازين القوى، ولم تُجب عن السؤال المركزي المتعلق بالإطار الزمني الواضح لمعالجة مسألة حصرية السلاح. وتبرز إشكالية إضافية تتعلق بدور الجيش اللبناني، حيث تشير معطيات إلى وجود قيود قانونية وسياسية تحدّ من حركته، في ظل غياب قرار حكومي واضح يمنحه صلاحيات استثنائية. ويرى مختصون أن عدم إعلان منطقة جنوب الليطاني منطقة عسكرية، أو فرض حالة طوارئ، أفقد الجيش الغطاء القانوني اللازم لتنفيذ مهامه بشكل حاسم. كما يُسجّل غياب مواكبة إعلامية رسمية منهجية لعمل الجيش، الأمر الذي يضعف موقف لبنان في مواجهة الرواية الإسرائيلية، ويترك المجال مفتوحاً أمام التأويلات المتناقضة. في المحصلة، يبدو لبنان عالقاً بين مسار تفاوضي هش وضغط ميداني مفتوح، في ظل غياب رؤية تنفيذية واضحة لتطبيق القرارات الدولية. وبين التعايش القسري مع واقع مسلح، والسعي إلى تثبيت سلطة الدولة، يبقى خطر التصعيد قائماً، ما لم تُحسم الخيارات السياسية والقانونية بوضوح.