قال الرئيس اللبناني جوزيف عون الجمعة: إن حصر السلاح بيد الدولة "حتمي"، وحضّ لجنة مراقبة وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" على "التأكد" من أن الجيش هو القوة المسلّحة الوحيدة في جنوب البلاد. خرج "حزب الله في نوفمبر 2024 منهكاً من حرب مدمّرة مع إسرائيل استمرّت سنة واندلعت بالتزامن مع الحرب في قطاع غزة. ونصّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه بوساطة أميركية على وقف العمليات العسكرية وانسحاب "حزب الله من جنوب نهر الليطاني (على بعد حوالي ثلاثين كيلومتراً من الحدود) وتفكيك بنيته العسكرية وأسلحته. وفي الخامس من أغسطس، قرّرت الحكومة اللبنانية نزع سلاح "حزب الله"، ووضع الجيش اللبناني خطة للقيام بذلك. إلا أن الحزب رفض باستمرار تسليم سلاحه. على الرغم من وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل شنّ ضربات في لبنان، خصوصاً في جنوب البلاد، قائلة: إنها تستهدف بنى عسكرية وعناصر في الحزب. وتبقي قواتها في خمس نقاط حدودية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها. وشدّد الرئيس اللبناني الجمعة في خطاب عشية ذكرى الاستقلال على أهمية حصر السلاح وقرار السلم والحرب، واصفاً ذلك بأنه "ضروري جداً وحتمي فعلاً". وأشار عون في خطابه إلى "استعداد الدولة لتكليف اللجنة الخماسية التأكد في منطقة جنوب الليطاني من سيطرة القوى المسلحة اللبنانية وحدها وبسط سلطتها بقواها الذاتية"، في إشارة إلى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار التي تضم إلى فرنساوالولاياتالمتحدة وقوة الأممالمتحدة العاملة في جنوبلبنان (يونيفيل) ممثلين للجيشين الإسرائيلي واللبناني. إلى ذلك قال الرئيس اللبناني في الخطاب الذي وجّهه من جنوب البلاد: "إن الدولة اللبنانية جاهزة للتفاوض، برعاية أممية أو أميركية أو دولية مشتركة، على أي اتفاق يرسي صيغة لوقف نهائي للاعتداءات عبر الحدود". وحضّ عون "الدول الشقيقة والصديقة للبنان" على "رعاية هذا المسار، عبر تحديد مواعيد واضحة ومؤكدة، لآلية دولية لدعم الجيش اللبناني، كما للمساعدة في إعادة إعمار ما هدمته الحرب. بما يضمن ويسرّع تحقيق الهدف الوطني النهائي والثابت، بحصر كل سلاح خارج الدولة، وعلى كامل أراضيها". والجمعة أوقعت غارة إسرائيلية قتيلاً في جنوبلبنان، وفق الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية اللبنانية. وبحسب وزارة الصحة اللبنانية، قُتل أكثر من 330 شخصاً في لبنان وأصيب 945 منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ. في الشهر الماضي، قال مقرّر الأممالمتحدة لحالات الإعدام خارج نطاق القضاء موريس تيدبول-بنز في تصريح لوكالة فرانس برس: إن "عمليات القتل الناجمة عن هذه الهجمات (...) تبدو، برأيي، جرائم حرب". وتيدبول-بنز هو خبير مستقل مفوّض من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولا يتحدّث باسم المنظمة. ترجيح مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل ترى المحللة السياسية الدكتورة لينا الخطيب أن ما صرح به الرئيس اللبناني جوزيف عون للصحفيين في الثالث من الشهر الجاري بأنه ليس أمام بلاده أي خيار سوف التفاوض في إشارة واضحة إلى إسرائيل وأن لغة التفاوض أكثر أهمية من لغة الحرب، و قوله: "إننا رأينا ما فعلته الحرب لنا"، قد فجر نقاشاً محتدماً بين الأحزاب السياسية في البلاد بشأن احتمال إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. وقالت الخطيب -وهي زميلة مشاركة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني المعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية-: إن هذا السيناريو كان يعتبر منذ فترة طويلة من المحرمات في لبنان. وليست هناك علاقات دبلوماسية بين الدولتين وهما في حالة حرب من الناحية الفنية منذ عام 1948، ورغم الصراعات الأخيرة التي كانت بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني، ظل الجيش اللبناني على الحياد بشكل عام. وأضافت الخطيب، في تحليل نشره معهد تشاتام هاوس، أنه بينما لم يشر تصريح عون بشكل واضح إلى مفاوضات مباشرة (على عكس المحادثات غير المباشرة عبر وسطاء)، فإن من المرجح للغاية أن يمضي لبنان في هذا المسار في نهاية المطاف. ففي أعقاب الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل في الفترة 2023-2024، تعرض لبنان لضغوط متزايدة، من جانب إسرائيل على الصعيد العسكري والولاياتالمتحدة على الصعيد الدبلوماسي، لقبول تنازلات اعتبرها في السابق مثيرة للاعتراض. وأضافت الخطيب أن "حزب الله" يتحمل المسؤولية في المقام الأول عن هذا السيناريو بسبب تصرفاته منذ وقف إطلاق النار الذي وافق عليه مع إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024. ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار يشترط نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة التي تعمل خارج سلطة الدولة بما في ذلك "حزب الله"، ما يزال "حزب الله" مستمراً في رفض نقل ترسانته المتبقية بين مواقع مختلفة في لبنان وفي تهريب الأسلحة إليها من سورية. وتواصل إسرائيل قصف مواقع وأفراد لهم صلة بحزب الله داخل لبنان منذ وقف إطلاق النار، ودعت إسرائيل الدولة اللبنانية إلى نزع سلاح الحزب، وتتردد تقارير بأنها تضغط على بيروت لتكون أكثر حزماً في القيام بذلك. ومؤخراً، صعدت إسرائيل أيضاً من لهجتها بشأن الاستئناف المحتمل للحرب ونطاق وتكرار ضرباتها داخل لبنان. وصعدت الولاياتالمتحدة بالتوازي مع ذلك الضغط الدبلوماسي على لبنان. وفي تصريحٍ حديثٍ للمبعوث الأميركي توم باراك، وصف لبنان بأنه "دولة فاشلة"، بينما صرحت المبعوثة الأميركية للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، خلال زيارةٍ لها إلى بيروت مؤخراً، بأنه يتعين على الجيش اللبناني "الآن تنفيذ خطته بالكامل" لنزع سلاح "حزب الله". وتدور المفاوضات التي أشار إليها عون حول قضيتين رئيسيتين: ترسيم الحدود البرية للبنان مع إسرائيل، والتوسط بشأن اتفاقية أمنية بين البلدين. في عام 2022، وبعد سنوات من المفاوضات غير المباشرة المتقطعة، توصل لبنان وإسرائيل إلى اتفاق بوساطة الولاياتالمتحدة لإنهاء نزاع طويل الأمد حول حدودهما البحرية. لكن سياسيين من الأحزاب خارج المعسكر المؤيد لحزب الله بدؤوا الآن بشكل متزايد في الدعوة إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وهو الأمر الذي كان في السابق من المحرمات عبر الطيف السياسي، وهذا الاحتمال يهدد "حزب الله" لأنه يمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق سلام مستقبلي مع إسرائيل، سوف يمحو المبرر الذي يدعيه "حزب الله" سبباً لوجوده. ورد "حزب الله" على بيان الرئيس عون بإصدار رسالة مفتوحة موجهة إلى القيادة اللبنانية رفض فيها الحزب نزع السلاح والمفاوضات المباشرة. وسعى "حزب الله" في الرسالة إلى إحياء الصيغة البائدة التي كانت تضفي سابقاً الشرعية على وضع الحزب الاستثنائي كمجموعة مسلحة غير حكومية في لبنان. كان البيان الوزاري للحكومة لعام 2008 قد صنف رسمياً "المقاومة" (والتي كان يُفهم على نطاق واسع أنها إشارة إلى حزب الله) كركيزة من ركائز الدفاع الوطني إلى جانب الجيش. ولكن هذا العام، حذف البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الحالية أي ذكر ل"المقاومة" وأدرج مكانه مبدأ احتكار الدولة للسلاح. كان أمين عام "حزب الله" قد هدد في شهر أغسطس /أب الماضي الدولة اللبنانية بعدم التحرك ضد الحزب، ولكنه يحتج من موقف ضعف. ولم يعد "حزب الله" يملك الكثير من الأوراق للضغط بها بسبب هزيمته العسكرية أمام إسرائيل وضعف داعمته طهران. وسوف يؤدي التوصل إلى اتفاق أمني يتم التوسط فيه بشكل مباشر بين لبنان وإسرائيل إلى تجريد "حزب الله" من حجته بأن لبنان يحتاج إليه للحماية من العدوان الإسرائيلي. وأدى فقدان حليفه بشار الأسد في سورية إلى وضع "حزب الله" في مأزق كبير. وتخوض سورية، في حقبة ما بعد الأسد، مفاوضات "فنية" مباشرة مع إسرائيل بشأن اتفاقية أمنية. وعندما دعا المبعوث الأميركي باراك لبنان إلى الانخراط مع إسرائيل، قال: إن "سورية توضح المسار". ومع وجود إسرائيل وسورية كجيران للبنان، وحالة الضعف التي أصابت "حزب الله" وطهران، سوف يكون من الصعب على لبنان أن يقاوم الضغط لحمله على السير في مسار انخراط مماثل. وهناك أيضاً سابقة تاريخية لمفاوضات مباشرة. وقبل أن يعلن "حزب الله" عن نفسه رسمياً عام 1985، خاض لبنان وإسرائيل مفاوضات مباشرة أدت إلى اتفاقية السلام في 17 مايو/أيار عام 1983.. غير أن لبنان انسحب من هذه الاتفاقية في عام 1984. وكان ذلك بسبب معارضة الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد، الذي رفض انسحاب القوات السورية من لبنان، والفصائل الموالية لسورية في البلاد. ولو كانت اتفاقية 1983 ظلت سارية، لكان لبنان قد حصل على انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي اللبنانية. ومن غير المرجح أن تتحقق هذه النتيجة اليوم. وفي أعقاب الحرب الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل وانهيار نظام بشار الأسد، احتلت إسرائيل عدة نقاط استراتيجية على جبل الشيخ، الذي يمتد على جانبي الحدود بين سورية ولبنان. ومن المتوقع أن يتمخض الاتفاق الأمني المرتقب بين إسرائيل وسورية عن بقاء إسرائيل في جبل الشيخ. ومن غير المرجح أيضاً أن يتضمن أي اتفاق أمني مع لبنان قيام إسرائيل بسحب قواتها. ورغم احتمال تقديم هذه التنازلات، التي ربما تكون مثيرة للنزاع في لبنان، يعني الضغط المتزايد أن إجراء مفاوضات مباشرة بين الحكومة اللبنانية وإسرائيل يبدو أمراً مرجحاً. ويحاول "حزب الله" أن يصور المفاوضات المباشرة على أنها تنازل غير مقبول من جانب الدولة اللبنانية. ولكن تعنت "حزب الله" هو الذي جر لبنان صوب موقف لم يعد فيه أمامه أي خيار سوى تحمل ثمن أكبر في مقابل الاستقرار. الجيش اللبناني يعترض مؤيدي حزب الله الرافضين قرار نزع سلاحه