تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير عن مآل كل إنسان في هذه الدنيا الفانية، مذكرًا أن الموت أجلٌ محتوم، داعيًا العباد إلى مُلازمة أداء الطاعات الواجبات، والبُعد عن المعاصي والمُنكرات، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى. واستهل الشيخ صلاح البدير الخطبة داعيًا إلى تقوى الله والالتزام بأوامره، واجتناب معصيته، قال الله وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"، موضحًا أن الدنيا دارُ أكدارٍ وأنكاد، أحزانها لافحة، ومصائبها طافحة، وحوادثها قادحة، سكناتها محدورة، وعهودها منقوضة، زوالها محسوم، ورخاؤها لا يدوم، وعناؤها لا يرتفع، وبلاؤها لا ينقطع، وزهرتها إلى فناء، مستشهدًا بقول الله جلّ وعلا: "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"، وعن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حَقَّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ من الدنيا إلا وضعه" أخرجه البخاري. وذكر إمام وخطيب المسجد النبوي واصفًا حال الدنيا الفانية بقوله: "دارٌ تغيّرها الآفات، وتنوبها الفجيعات، وتُكدّرها الرزايا والبليّات، قد سلّتِ المَنايا فيها سيوفها، ونثرت بين الأنام حتوفها، ومن لم يمت عاجلًا مات أجلًا"، مُستدلًا بقول الحق تبارك وتعالى: "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِن قَبْلِكَ الْخُلدٌ أَفَإِن مِتّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتُ وَنَبْلُوكُم بالشرِّ والخَيْرِ فِتْنَةٌ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ". وتابع فضيلته مذكرًا أن الموت والفناء نهاية كل مخلوق في هذه الحياة الدنيا، متسائلًا:" أين من كان لنا صديقًا مؤانسًا، أين من كان لنا رفيقًا مجالسًا، تخطفتهم أوثار الحنايا، وأوقعتهم سهام المنايا، فيا من غرق في المنكرات والغفلات، هلّا اعتبرت بمدافن الآباء والأمهات، هلّا اتّعظت بمن مضى من الإخوان والأخوات، قِف بالقبور وانظر كم حوَت من الأموات". ودعا الشيخ الدكتور صلاح البدير إلى أهمية استعداد العبد لأوان وفاته، ونزول الموت به، وأن لا تُبطره الدنيا الفانية، ولا تُشغله الدار الباقية، ولا تخدعه زخارفها، ولا تُذهله بمُتعها، ولا تُضلّه فِتنها، ولا تُغويه شياطينها وغواتها، مذكرًا من ارتكب الحرام، واقترف الآثام، بالمسارعة إلى التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، والإنابة إليه قبل فوات الأوان، فقال الله تعالى: "والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ"، وقال سبحانه: "أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رحيمٌ"، وقل عزّ وجلّ: "إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"، وقال جل وعلا: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يُذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم" -أخرجه مسلم-، فمن كرم الله تعالى، وجوده ولطفه، ورحمته بخلقه، مع ذنوبهم وإسرافهم يدعوهم إِلى التَّوبة وَالمغْفرة، ويصفحُ عن إجرامهم، فكلّ من تاب إِليه تَاب عليه.