تدخل الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع وسط تعقيدات ميدانية وسياسية تجعل مسارها النهائي غامضًا. فبينما تواصل روسيا السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية، تجد كييف نفسها أمام معادلة صعبة: إما وقف القتال مقابل خسارة أجزاء من أراضيها، أو المضي في الحرب مع تحمل مزيد من الخسائر البشرية والإقليمية. نهاية بعودة فورية والتحدي الأكبر يكمن في كيفية صياغة ضمانات أمنية مستدامة. فبينما يطرح الغرب إمكانية تقديم التزامات عسكرية ودبلوماسية، يظل الشك قائماً حول قدرة هذه الضمانات على ردع موسكو فعلياً. وإذا ما تمكنت واشنطن والعواصم الأوروبية من بلورة مبادرة مشتركة توفر هذه المظلة، قد تجد كييف نفسها مضطرة للمقايضة بين التنازل المؤقت عن بعض الأراضي وبين سلام قد يفتح الباب لإعادة البناء. خرائط على طاولة التفاوض وفي الاجتماع الأخير بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، كانت الخرائط العنوان الأبرز. فبينما حمل زيلينسكي معه خريطة لحدود بلاده، فوجئ بوجود نسخة أكبر أعدتها وزارة الدفاع الأمريكية تُظهر بوضوح خطوط المواجهة الممتدة لمسافة 750 ميلاً، والأراضي الأوكرانية التي تخضع للسيطرة الروسية. ووفقاً لهذه الخريطة، تحتل موسكو حالياً معظم خمس مقاطعات أوكرانية بما يعادل خُمس مساحة البلاد. ولتقريب حجم السيطرة الروسية إلى الأذهان، أنتجت جامعة هارفارد خريطة تُظهر هذه الأراضي على شكل نيو إنجلاند في الولاياتالمتحدة. فالمساحة البالغة 44 ألف ميل مربع التي فقدتها أوكرانيا تعادل تقريباً حجم ولايات مين، فيرمونت، ونيوهامبشاير مجتمعة. جذور الاحتلال وتطوراته ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، برزت أوكرانيا كإحدى أكبر الدول الأوروبية بمساحة تجاوزت 233 ألف ميل مربع. غير أن سيادتها بدأت تتآكل مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، تلاه استيلاء موسكو على أجزاء من دونيتسك ولوغانسك. ومع الغزو الشامل في فبراير 2022، توسعت السيطرة الروسية لتشمل معظم دونيتسك ولوغانسك، إضافة إلى ثلثي خيرسون وزابوريزهيا، مما وفر جسراً برياً يصل إلى القرم وقاعدة سيفاستوبول البحرية. معضلة التنازل عن الأرض وترمب الذي جاء من خلفية تجارية، أبدى انفتاحاً لمناقشة فكرة «تبادل الأراضي» كجزء من تسوية سياسية. إحدى الخرائط التي عرضها أظهرت بوضوح كيف أن قبول كييف بالتنازل عما تبقى من دونيتسك يعادل – على خريطة الولاياتالمتحدة – خسارة ولاية ديلاوير. لكن كييف لا تزال ترفض أي اعتراف رسمي بضم روسيا لهذه المناطق، مؤكدة أنها ستواصل المطالبة بكل أراضيها المعترف بها دولياً. والتجارب التاريخية تقدم مقارنات لافتة. فألمانيا الغربية وكوريا الجنوبية لم تتخليا عن مطالبتهما بأراضٍ خضعت للاحتلال، بينما تخلت فنلندا في نهاية المطاف عن جزء من أراضيها لصالح الاتحاد السوفيتي وركزت على التنمية الداخلية. هذه الأمثلة تُظهر التباين بين خيار الإصرار الطويل الأمد وخيار التسوية الواقعية. الحسابات الإستراتيجية المقبلة وتشير التقديرات إلى أن روسيا ستبقى مسيطرة على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية حتى لو توقفت العمليات العسكرية قريباً. لكن كييف، بدعم من الغرب، تتمسك بعدم التخلي عن حقها القانوني في استعادتها. والسؤال المطروح أمام القيادة الأوكرانية الآن: هل من الأفضل القبول بتسوية تُوقف النزيف البشري والخسائر الاقتصادية، أم مواصلة حرب تستنزف الموارد مع احتمال فقدان المزيد من الأرض شهرياً؟ وأكد زيلينسكي، في خطاب بمناسبة يوم الاستقلال، أن هدف بلاده بناء «أوكرانيا قوية وقادرة على العيش في أمن وسلام». لكنه شدد على أن أي تسوية لن تكون مقبولة ما لم تُرفق بضمانات أمنية واضحة من أوروبا والولاياتالمتحدة، تحول دون أن يكون وقف إطلاق النار مجرد استراحة مؤقتة قبل هجوم روسي جديد. • التسوية السياسية: قبول وقف الحرب مقابل التنازل عن أجزاء من الأراضي التي تحتلها روسيا حاليًا، مع التركيز على الحصول على ضمانات أمنية من الغرب. • مواصلة القتال: الاستمرار في الحرب لاستعادة الأراضي، مع تحمل خسائر بشرية ومادية متزايدة وخطر فقدان مساحات إضافية. • الخيار التاريخي الطويل الأمد: التمسك بالمطالبة بكل الأراضي على غرار ألمانيا وكوريا الجنوبية، مع احتمال انتظار سنوات أو عقود لتحقيق الاستعادة. • التنازل الواقعي: اتباع نهج شبيه بفنلندا بعد الحرب العالمية الثانية، أي التخلي عن بعض الأراضي والتركيز على إعادة البناء والتنمية الداخلية. • المقايضة المشروطة: قبول خسارة محدودة للأرض إذا كانت ستقابل بضمانات أمنية قوية من الولاياتالمتحدة وأوروبا تردع أي هجوم روسي مستقبلي.