لم تعد الفنون البصرية في السعودية نشاطًا محدودًا أو ممارسة نخبوية، بل أصبحت ركيزة أساسية في المشهد الثقافي الجديد الذي تعيشه البلاد. فمنذ انطلاق رؤية المملكة 2030، ارتفعت مكانة الفن التشكيلي، ليغدو لغة للتعبير عن الهوية الوطنية، وجسرًا للحوار مع الثقافات الأخرى. واليوم، لم يعد حضور الفنان السعودي مقصورًا على المعارض المحلية، بل بات يتخطى الحدود، ليشارك في صياغة المشهد الفني العالمي. ومن أبرز هذه المشاركات افتتاح معرض «كشف النقاب» للفنان عبدالله الأحمري في صالة تافيتا جاليري الشهيرة بلندن، بتنظيم مشترك مع 015 جاليري من الرياض، وبإشراف الأميرة سارة آل سعود كقيم فني. وقد شهد المعرض إقبالًا واسعًا من شخصيات فنية وثقافية وإعلامية دولية، بالإضافة إلى حضور ممثلين عن السفارة السعودية. رمز إنساني جامع اختار الأحمري أن يجعل المرأة بؤرة أعماله في هذا المعرض، مستعرضًا حضورها ليس فقط كأم أو شريكة أو ابنة، بل كقيمة إنسانية تتجاوز المكان والجغرافيا والاختلافات الثقافية. ففي لوحاته، لا تُقدَّم المرأة بشكل نمطي، بل كروح ومعنى، بخطوط هادئة وألوان تحمل ازدواجية القوة والحنان، الصلابة والدفء. هذا الطرح يتماشى مع التحولات الاجتماعية والثقافية في المملكة، ومع إدراك الفنان أهمية دور المرأة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما ما يتعلق بالمساواة وتمكينها. بذلك، يصبح الفن لديه وسيلة لإيصال رسالة إنسانية عالمية، تتجاوز حدود اللوحة إلى قضايا العدالة والكرامة. لغة تشكيلية تتجاوز الحدود الألوان في أعمال الأحمري ليست مجرد تفاصيل جمالية، بل إشارات لرحلة المرأة عبر الأزمنة والثقافات. تدرجات الأحمر والبرتقالي تمنح دفئًا وحيوية، في حين تعكس مساحات الأزرق والرمادي بُعدًا من السكينة والتأمل. هذا المزج يفتح نافذة على رمزية المرأة في مختلف الحضارات، ويجعلها عنصرًا مشتركًا يوحد التجارب الإنسانية على الرغم من تنوعها. الفن كسفير ثقافي ما يميز هذا المعرض أنه لم يُقدَّم بوصفه فعالية تشكيلية عابرة، بل كمنصة ثقافية متكاملة. وبفضل الجهود التنظيمية التي قادتها الأميرة سارة آل سعود بالتعاون مع 015 جاليري، تحوّل الحدث إلى خطوة إستراتيجية لنقل الفن السعودي إلى منصات مؤثرة في العواصم العالمية. إن عرض الأعمال في مدينة مثل لندن لا يمنح الفنان السعودي شهرة فحسب، بل يضع التجربة التشكيلية السعودية في قلب الحوار الفني الدولي، ويعزز مكانة المملكة كفاعل ثقافي عالمي. نهضة تتجاوز القاعات المحلية معرض «كشف النقاب» ليس سوى مثال واحد على النهضة الفنية السعودية التي تتسارع وتيرتها. إنه دليل على أن الفنان السعودي لم يعد مجرد ممارس للفن، بل مثقف عالمي يوظف أدواته لخدمة قضايا إنسانية، بدعم مؤسسي ورؤية إستراتيجية. ومن هنا، يتضح أن ما يحدث في الرياض اليوم هو تحول ثقافي عميق يُعيد رسم موقع المملكة على خريطة الفن العالمية.