أظهرت دراسة حديثة عُرضت في المؤتمر الدولي الثامن للطب النفسي في القاهرة، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ارتفاع معدلات الاصابة بالأمراض النفسية بعد الثورة بسبب الضغوط التي يتعرض لها المصريون. وأوضحت الدراسة أن 17 في المئة من المصريين ممّن شملتهم الدراسة يعانون شكلاً من أشكال المرض النفسي وأبرزها الاكتئاب والقلق. كما أثبتت أن مرض الوسواس القهري أصبح يصيب 10 في المئة من المصريين، إذ يعانون أفكاراً وسواسية، كما ان المظاهر الدينية دخلت في إطار الوسوسة. ثلاثة نماذج لثلاث أسر مصرية حوّلت دفّة أحلامها خلال عام مضى من مسار إلى آخر. تراوحت الأحلام واختلفت المسارات، لكن اتفق الجميع في نهاية السنة على أن للضرورة أحكاماً، وأن لأحكام الثورات أثماناً باهظة وفواتير ظالمة يسددها الشعب بفئاته وطبقاته. ثلاثة نماذج تُترجم القلق الظاهر في الدراسة، على أرض الواقع في شقة الولد ومشغولات البنت الذهبية وشاليه مارينا، التي تحوّلت إلى دولارات تؤمن إقامة دائمة في دولة أوروبية في حال تدهور الأوضاع. وفي «جنى العمر» وسيارة لم يكتمل سداد أقساطها تبخّرت إلى حساب مصرفي أوشك على النفاد. وريح عاتية تبذل جهداً خارقاً لنحت بلاط البيت المتواضع وكلاهما يصارع من أجل البقاء. أحلام أسرة المهندس أيمن خلال 2012 خضعت لعملية تغيير مسار جذرية. فبعدما كانت الأسرة المنتمية إلى الربع الأعلى من الهرم الطبقي تخطّط لتقاعد الأب والأم في «فيلا» تبنيها الأسرة في إحدى المدن الجديدة، وتشطيب راقٍ لشقة الإبن تحسباً لزواجه، وعمل إضافات لمصوغات الإبنة الذهبية، بادرت الأسرة بعد تفكير عميق وتحليل شديد للأوضاع السياسية المرتبكة والأحوال الاقتصادية الملتبسة التي تمر بها مصر إلى تحويل كل تلك الأصول إلى مبلغ مالي بالدولار الأميركي و «شراء» إقامة دائمة في دولة أوروبية من خلال تسجيل شركة وهمية فيها وشراء شقة هناك تحسباً لتدهور الوضع في ضوء عدم وضوح للمستقبل السياسي والاقتصادي في البلد. وإذا كانت الثورة المصرية ومرحلتها الانتقالية اللاحقة وفترتها الفوضوية الحالية لم تؤثر بشكل ملحوظ في أنماط الهجرة غير الشرعية والمتمثلة في ظاهرة مهاجري المراكب غير الشرعية عبر المتوسط في اتجاه إيطاليا واليونان، وهي الظاهرة المستمرة على رغم شعار الثورة «عيش حرية عدالة اجتماعية»، فإن أنماطاً أخرى للهجرة يتم حالياً رصدها، لكنها هجرة من نوع آخر. إنها هجرة الأغنياء ومحاولات هجرة أبناء الطبقة المتوسطة، وبخاصة أولئك غير المتفائلين بالحكم، سواء أكانوا من المسيحيين المصريين القلقين من الاضطهاد أم من المسلمين المترقبين لتشدّد محتمل. والمشكلة الحقيقية هي ما ترزح تحته فئة أخرى من الأسر المصرية، وهي التي ضحّت بأحلام ترقي السلّم الاقتصادي، بسيارة جديدة بالتقسيط أو شقة حديثة من طريق النقابة أو حساب توفير يمكّن من الاقتراض المصرفي. أسرة المرشد السياحي حاتم ودّعت أحلامها تلك، واستعاضت عنها بواقع «سخيف» دفعها إلى بيع سيارة اشترتها بالتقسيط وإعادة شقة حجزتها الزوجة من خلال نقابة التجاريين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من موازنة البيت التي بات عمادها راتب الزوجة الحكومي المتدني، وذلك بعدما ألقى الركود السياحي بظلاله الوخيمة على الزوج. حتى الحساب المصرفي الذي كان يحوي مبلغاً من المال تحسباً لغدر الأيام في المستقبل، تحول إلى مصدر مكمّل لمصروفات الأسرة الشهرية بعدما غدرت الأيام بحاضر الأسرة وحوّلت أحلامها إلى كابوس يرفض التوقف عن بثّ مخاطره. وتظل مخاطر أسرة موظف الأمن البسيط عبدالحميد هي الأقل. فالأسرة منذ تكوّنت قبل نحو عقدين، وهي تحمل شعار «إيش يأخذ الريح من البلاط»، وهو ما يرفع عنها شبح المخاطرة. يضحك عبدالحميد كثيراً حين يسأل عن أحلام أسرته خلال عام مضى، وعمّا إذا كانت قد تغيّرت أو تحوّلت أو توقّفت بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية. «أحلامنا ثابتة لا تتغير ولا تتزعزع. نحن نحلم بالبقاء على قيد الحياة، وبما أن هذا الحلم يبقى قدراً، فإننا نحلم به من دون أن يؤثر فيه وصول الإخوان الى الحكم، أو اقتناص السلفيين للسلطة، أو تهديد الفلول بالعودة، أو توقف عجلة العمل، أو دوران عجلة الدستور». ويضيف: «النتيجة بالنسبة الينا في النهاية سواء. ومن ثم سيظل حلمنا البقاء على قيد الحياة، لأن الثورة أو الثورة المضادة أو الإسلاميين أو الليبراليين أو صندوق النقد أو الشريعة الإسلامية لن تتمكّن من أخذ شيء من البلاط الذي نفترشه عليه». عيش المصريين وأحلامهم خلال عام 2012 تغيرت كثيراً، وهو التغيير الذي كان متوقعاً من حيث المبدأ، لكن جاءت فحواه على غير هوى الثورة. فلا عيش تحقق، ولا حرية ضُمنت، ولا عدالة اجتماعية تلوح في الأفق. منهم مَن تحولت أحلامه إلى كوابيس، ومنهم من ودّع أحلامه ولو موقتاً مستعيضاً عنها بالاصطدام بأرض الواقع للخروج من الأزمات الآنية، لكن تظلّ هناك فئة احتفظت بحلمها وأحكمت قبضتها عليه، آملة وحالمة بالبقاء على قيد الحياة إلى... إشعار آخر.