منتدى القطاع غير الربحي الدولي بالرياض.. خارطة طريق لتعزيز الاستدامة والابتكار في القطاع    معركة الرواية: إسرائيل تخوض حربا لمحو التاريخ    في الوقت القاتل .. سوريا تخطف التعادل أمام قطر في كأس العرب 2025    غداً .. "الأخضر تحت 23 عاماً" يفتتح مشواره بمواجهة البحرين في كأس الخليج    محافظ صبيا المكلف يرعى حفل "اليوم العالمي للتطوع 2025"    والدة اللواء ال دخيل الله في ذمة الله    شهود وموظفو إغاثة: "قوات الدعم السريع" تحتجز سكان الفاشر مقابل فدى وتقتل أو تضرب غير القادرين على الدفع    "التحالف الإسلامي" يختتم مشاركته في معرض جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    نائب أمير الشرقية يطلع على عدد من الجوائز والاعتمادات العالمية لتجمع الشرقية الصحي    الأسهم العالمية ترتفع، والدولار يتجه لأطول سلسلة خسائر منذ 50 عام    نائب أمير حائل يطلع على مشروعات وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    امير القصيم: جهود رجال مكافحة المخدرات خط الدفاع الأول لحماية شباب الوطن وأمنه واستقراره    جمعية الإعاقة السمعية تزور مجمّع بيش الثانوي احتفاءً باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة    سفير المملكة في الأردن يرعى حفل ذوي الإعاقة في الملحقية    نوفمبر دوري يلو".. غزارة تهديفية في 4 جولات    السودة للتطوير والشركة الوطنية لنقل الكهرباء توقعان اتفاقية بقيمة 1.3 مليار ريال لإنشاء البنية التحتية الكهربائية لمشروع قمم السودة    السعودية تسجل رقما عالميا في موسوعة غينيس كأكبر عدد من المشاهدين لدروس مباشرة عن التطوع    تحت رعاية خادم الحرمين .. العرض الدولي الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة ينطلق في التاسع من ديسمبر الجاري بالرياض    وزير الخارجية يستقبل رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر ويرأسان اجتماع اللجنة التنفيذية للمجلس التنسيقي بين البلدين    مفتي عام المملكة يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون    النفط يرتفع وسط تفاقم التهديدات الجيوسياسية ومخاوف الامدادات وتعثر محادثات السلام    الهيئة العامة للمحكمة الإدارية العليا تقرر اختصاص المحاكم الإدارية بنظر الدعاوى المتعلقة بمزاولة المهن الصحية    قمة البحرين تؤكد تنفيذ رؤية خادم الحرمين لتعزيز العمل الخليجي وتثمن جهود ولي العهد للسلام في السودان    أمير تبوك يواسي في وفاة محافظ الوجه سابقاً عبدالعزيز الطرباق    مفردات من قلب الجنوب ٣١    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    شي: الصين ستقدم مساعدات إنسانية بقيمة 100 مليون دولار لغزة    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمحافظة    "يونا" تستضيف اجتماع الطاولة المستديرة حول التعاون الإعلامي بين روسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي    ختام فعاليات مؤتمر حائل الدولي لطب نمط الحياة .    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عنه.. أمير الرياض يكرّم الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    موجز    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    جمعية لمصنعي الآلات والمعدات    آل حمدان يحتفل بزواج أحمد    ضبط 760 كجم أسماكاً ودواجن فاسدة بعسير    نائب وزير العدل: 8.5 مليون مستفيد من خدمات «ناجز »    "بر الرياض" تعقد جمعيتها العمومية وتطلق هويتها الجديدة وخطتها الإستراتيجية 2030    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    تسحب الجمعة في واشنطن بحضور كوكبة من المشاهير.. العالم يترقب قرعة مونديال 2026    منتخب الجزائر يفلت من كمين السودان.. العراق يعبر البحرين بثنائية ويتصدر «الرابعة»    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    الأردن يتغلب على الإمارات ويتصدر «الثالثة»    تعاون سعودي – كيني لمواجهة الأفكار المتطرفة    18 مليون دولار من المملكة وبريطانيا لمشاريع باليمن وبنغلاديش    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    هرمونات تعزز طاقة المرأة العاملة    افتتاح متحف زايد الوطني في أبوظبي    نقاط خدمة جديدة لحافلات المدينة    إقحام أنفسنا معهم انتقاص لذواتنا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث العلمي يصنع التحول الحقيقي ويعيد توجيه مسار التنمية الوطنية
نشر في الرياض يوم 22 - 11 - 2025

حين نتأمل التاريخ البشري من أوسع زواياه، نكتشف أن الأمم التي تجاوزت حدودها، وارتقت فوق جغرافيتها، لم تفعل ذلك بالقوة أو الثروة وحدهما، بل فعلته حين جعلت العقل أداتها الأولى، والعلم مشروعها الوطني، والبحث والتطوير بوابتها للمستقبل. كل دولة صعدت وخلّدت اسمها كانت تحمل في الداخل معامل تضيء ليلها، وباحثين يحفرون في أطراف المجهول، وقيادة تدرك أن المعلومة هي رأس المال الحقيقي، وأن المعرفة هي البنية التحتية التي تسبق الخرسانة والحديد. وفي عالم اليوم، لم يعد البحث والتطوير رفاهية أكاديمية أو أداة تجميل سياسي، بل تحوّل إلى معيار تنموي يقيس به الاقتصاديون جودة الدول، وتقيس به المجتمعات قدرتها على إنتاج الفرص. وإذا كان النفط قد قدّم للدول الريعية دخلاً سريعاً، فإن البحث العلمي وحده هو الذي يمنحها استدامة النمو وقدرتها على التنافس. وفي السياق السعودي، جاءت رؤية 2030 لتقلب معادلة طويلة كانت فيها العلوم محصورة في قاعات الجامعات، وتعلن أنّ البحث والتطوير لم يعد نشاطاً هامشياً، بل مشروع دولة، واستثماراً سياديّاً، ومحركاً اقتصادياً لا يقل أهمية عن الطاقة والسياحة والصناعة. هذه الرؤية لم تُطلق شعارات، بل بدأت بقياس الواقع، ثم ضخّ الاستثمارات، وفتح المسارات المهنية، ورفع مستوى الحوكمة العلمية، وبناء ثقافة جديدة تُشعر الباحث أنه جزء من اقتصاد حقيقي وليس مجرد رقم في سجل أكاديمي.
ولفهم حجم التحوّل، يكفي النظر إلى الأرقام الحديثة. فقد سجّل الإنفاق على البحث والتطوير في السعودية خلال عام 2024 ارتفاعاً بنسبة 30.4 % مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 29.48 مليار ريال، هذا النمو ليس مجرد زيادة مالية، بل يعكس انتقالاً في الوعي التنموي، إذ لا تنفق الدول بهذه الوتيرة إلّا حين تدرك أن المستقبل يصنعه الباحثون لا المستوردون. وحين نقترب من تفاصيل تمويل البحث والتطوير، نجد أن القطاع الحكومي يمثّل 53.2 % من إجمالي التمويل بقيمة 15.69 مليار ريال، فيما يسهم قطاع الأعمال بنسبة 41.1 % بقيمة 12.10 مليار ريال، بينما يأتي قطاع التعليم العالي بنسبة 5.7 % بقيمة 1.69 مليار ريال . هذه التركيبة تعكس تحوّلاً مهماً، إذ لم يعد العبء على الحكومة وحدها، بل دخلت الشركات الكبرى إلى المشهد باعتبارها طرفاً محركاً للابتكار، وهذا هو ما تصنعه الرؤى الوطنية حين تجذب القطاع الخاص إلى الحقول التي كانت حكومية بالكامل، أما على مستوى الإنفاق الفعلي على البحث والتطوير، فقد جاء قطاع الأعمال في المقدّمة بنسبة 40.3 % بقيمة 11.87 مليار ريال، يليه القطاع الحكومي بنسبة 40.2 % بقيمة 11.86 مليار ريال، ثم قطاع التعليم العالي بنسبة 19.5 % بقيمة 5.75 مليارات ريال. هذه الأرقام توضح أن الابتكار لم يعد نشاطاً أكاديمياً فحسب، بل أصبح جزءاً من السلوك الاقتصادي للشركات، وهذا عنصر جوهري في بناء اقتصاد معرفي حقيقي.
ويتضح حجم التحوّل أكثر حين ننظر إلى المجالات الاقتصادية التي يذهب إليها الإنفاق العلمي. فقد استحوذت أنشطة التعدين والصناعة والكهرباء والمياه على 31.4 % من الإنفاق، تلتها الخدمات المالية والتأمين والعقارات بنسبة 22.3 %، ثم خدمات الأعمال بنسبة 19.9 % هذا التنوع هو ما يضمن أن الأثر العلمي لا يظل محصوراً في المختبر، بل يمتد إلى الاقتصاد كله بما يشمل الصناعة والطاقة والقطاع المالي، بما يعني أن المعرفة بدأت تتحول إلى قيمة اقتصادية ملموسة. ولأن البحث العلمي لا يقوم على المال وحده، بل على الإنسان أولاً، فقد ارتفع عدد العاملين في مجالات البحث والتطوير إلى 56,593 مشتغلاً عام 2024 بنمو 14.7 %، وبلغ عدد الباحثين 41,562 باحثاً بزيادة 12.8 % عن العام السابق. هذه الزيادة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتيجة فتح مسارات وظيفية، وإطلاق برامج للابتعاث والتمكين، وتحويل الباحث من متلقٍّ للمعرفة إلى منتج لها، وعند توزيع المشتغلين حسب القطاعات، نجد أن قطاع التعليم العالي يستحوذ على 71.3 % من العاملين في البحث والتطوير، تليه الشركات بنسبة 22 %، ثم القطاع الحكومي بنسبة 6.7 % وهو نمط طبيعي في الدول التي تبني اقتصاداً معرفياً ناشئاً، حيث تكون الجامعات هي المنصة الأكبر في البدايات، قبل أن ينتقل مركز الثقل تدريجياً إلى الشركات والصناعة. أما الباحثون تحديداً، فقد كان 83.4 % منهم في قطاع التعليم العالي، وهو رقم يعكس تركز الخبرة البحثية في الجامعات، لكن وجود 11.6 % منهم في قطاع الأعمال و5 % في القطاع الحكومي يشير إلى بدء تحرك النظام العلمي نحو نموذج أكثر تنوعاً وتوازناً.
وإذا كان السؤال: ماذا تعني هذه الأرقام فعلاً؟ فإن الجواب ببساطة أن السعودية تبني الآن قاعدة معرفية تشبه ما فعلته الدول التي انتقلت خلال عقود قليلة من الاقتصادات التقليدية إلى مراكز عالمية في التقنية والصناعة والبحث. الأثر الاجتماعي لهذا التحولات لا يقل عن أثرها الاقتصادي، فالبلد الذي أصبحت فيه مهنة الباحث خياراً مغرياً، وارتبط فيه العلم بالترقي المهني، وازدادت فيه قيمة الابتكار، هو بلد يخلق جيلاً جديداً يرى مستقبله في العقل لا في الحظ. إن البحث العلمي ليس مختبراً، بل ثقافة وطنية ورؤية للدولة تجاه ذاتها. وحين تربط السعودية بين البحث والتطوير وبين رؤية 2030، فهي لا تبني مشروعات قصيرة المدى، بل تبني ذاكرة مستقبلية تضمن بقاءها كقوة اقتصادية إقليمية وعالمية. فالدول لا تنهض حين تزيد وارداتها، بل حين تزيد معارفها. ولا تنجح حين تستهلك ما ينتجه الآخرون، بل حين تبتكر منتجاتها وأفكارها ونماذجها الاقتصادية.
وفي النهاية، يمكنني القول إن الأرقام التي راكمتها المملكة خلال الأعوام الأخيرة ليست مجرد مؤشرات أداء، بل هي بداية حقيقية لعصر جديد تكون فيه السعودية مصدّراً للمعرفة، ومنتجاً للتقنية، وصاحبة أثر علمي يتجاوز حدودها. ومع استمرار هذا الاتجاه، يصبح البحث العلمي هو السردية الكبرى لنهضتها الحديثة، وهو أحد أعمدة مستقبلها في عالم لا يرحم المتأخرين في ميدان الابتكار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.