من سوريا التي ما زالت تنهض من تحت الأنقاض، إلى غزة المحاصرة منذ ما يقرب من عامين، لا تزال القضايا العربية العالقة تُنادي ضميرًا حيًّا وصوتًا عربيًا يتقدّم الصفوف في ظل غياب المواقف الحاسمة، وتراجع التأثير الأخلاقي لكثير من القوى، جاء قرار المملكة ليُعيد إلى المشهد توازنه، ويثبت أن العدل لا يقاس بالمصالح، بل بالمواقف. ففي جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بالأمس في جدة، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبمتابعة مباشرة من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، صدرت قرارات حاسمة تؤكد الثبات السعودي في مناصرة القضايا العربية، والدفاع عن الإنسان أولًا. فقد جدّد المجلس إدانة المملكة للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، مشددًا على رفض أي انتهاك لسيادة الدولة السورية، وداعمًا في الوقت ذاته لجهود الإغاثة وإعادة الإعمار التي تتولاها المملكة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وهو دعم لا يقتصر على التعبير بل يمتد على الأرض في المناطق المتضررة من الزلازل أو آثار الحرب في ترجمة عملية لالتزام المملكة بمسؤوليتها العربية والدولية. ففي الشأن الفلسطيني، جاء القرار واضحًا ومباشرًا: دعوة دولية لرفع الحصار عن غزة فورًا، وتمكين المساعدات الإنسانية من الدخول بأمان وكرامة، لم تكتفِ القيادة السعودية بالتعبير عن القلق، بل دفعت مجددًا نحو تحرك دولي عاجل ينهي حالة الشلل والصمت الطويل، ويضع حدًا لمعاناة الفلسطينيين المحاصرين. المواقف التي تتخذها المملكة بتوجيه من الملك وولي العهد، ليست مجرد رد فعل، بل هي تأكيد على نهج طويل، ومسار دبلوماسي وإنساني متصل، يجعل من المملكة صوتًا للعقل العربي، وحاميًا لحقوق الشعوب في وجه العبث، والتجاهل، والخذلان. ويكتسب هذا الموقف بعدًا استراتيجيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، إذ تؤكد المملكة أن قضايا الشعوب ليست عبئًا دبلوماسيًا، بل ركيزة من ركائز الاستقرار الإقليمي، وأن تجاهلها لا يصنع إلا فراغًا تملؤه الفوضى والتطرف. ولذلك، تواصل المملكة بناء تحالفاتها على أسس من القيم والمصالح المتوازنة، لا على حساب المعاناة. وفي زمن تزداد فيه الحاجة إلى صوت عربي مسؤول، تُثبت القيادة السعودية أنها تمضي بثبات في خطها التاريخي، حيث يكون الإنسان أولًا، وتكون المواقف نابعة من جذور العدالة، لا من لحظة عابرة. وبهذا، تتحوّل المواقف إلى إشارات أمل ومرايا لمستقبل عربي أكثر وعيًا بقيمته وكرامته.