بقدر ما كان افتتاح المعرض الثنائي المشترك للفنانين التشكيليين عبدالله إدريس وسامي المرزوقي، المعنون ب"استعارات"مساء الأربعاء الماضي في أتيليه جدة، افتتاحاً احتفالياً شهده نخبة من التشكيليين في مقدمهم طه صبان، عمر بادغيش، عبدالعزيز عاشور، فهد الحجيلان، صديق واصل وباسم شرقي، ولفيف من المثقفين والإعلاميين والنقاد، بقدر ما كانت الأعمال المعروضة شاهداً شاخصاً على أصالة البحث والتجريب، وتطور الأساليب الفنية التي انتهجها اثنان من أكثر الفنانين السعوديين تميزاً. في مدخل المعرض يستقبل المرزوقي الزوار بمجموعة من اللوحات المنتمية الى اتجاهات فنية معاصرة، يحاكي فيها أسلوب الرسم القائم على التنقيط لإبداع مساحة تجمع بين مدارس فنية عدة، تبرز التعبيرية والتجريدية والانطباعية كقاسم مشترك فيها، لتشكّل ملامح بعض ما يريد الفنان الإفصاح عنه. وقال المرزوقي ل"الحياة": إنه لا يستطيع إطلاق مسمى الرسم بالتنقيط البكسل آرت على"لوحاتي المعروضة في هذا الغاليري، فما اتبعته هنا هو أسلوب حديث قائم على مزج رؤى فنية عدة يبرز التنقيط فيها كركيزة بصرية أساسية، لكني في المقابل عمدت الى تقنيات أخرى أعتقد أنها خاصة بي، وهي تشبع نهم التجريب لدي، خصوصاً في فتح مساحة للمتلقي يمكنه من خلالها رؤية العمل من زوايا متباينة، وأيضاً إمكان أن تتحقق للعمل قواعد عدة، فيستطيع مقتني اللوحة تعليقها على الجدار بحسب ما يراه، فليس هناك أعلى أو أسفل محدد، وإنما ما تمليه ذائقة مالك اللوحة تجعله يختار وضعيتها". وأضاف:"في منهجيتي هذه تكمن آلية إشراك المتلقي في بناء التكوين الجمالي للعمل، ولهذا لم أعمد الى التوقيع على اللوحات، فعملية الإمضاء في الركن الأيسر أو الأيمن للوحة تجبر المتلقي على اعتبار أن جهة التوقيع تمثل القاعدة أو أسفل اللوحة، وبذلك أكون تركت الخيار للمتلقي ليحدد الاتجاه الذي سيعلق به اللوحة". ولكن يبدو أن حداثة أسلوب الرسم بالتنقيط، تدفع بالمتابع لحركة الفنون التشكيلية لاعتباره فناً نادراً، لا سيما أن إنجاز اللوحة باستخدام هذه التقنية يستغرق وقتاً طويلاً ويتطلب قدراً كبيراً من التركيز والدقة والحرفية، وما يشبهه بعض النقاد بفن النقش المستمد من الفنون الإسلامية السابقة، وهو بذلك يعد فناً شديد الحساسية تستخدم فيه الأقلام والريش ذات الرؤس الرفيعة حتى تتحقق مقدرتها على وضع النقاط بطريقة تنسجم فيها النقاط كلبنات ووحدات في بناء كيان متناغم، يشكل وجوده في مساحات الفراغ على سطح اللوحة عملاً جمالياً متكاملاً". من جهته، يرى عبدالله إدريس أن أعماله ارتكزت على استلهام التيارات الطليعية،"التي تنحى إلى تقويض السائد وإحداث صدمة بصرية مدهشة". أشار إدريس إلى ما سماه حالة الأمية البصرية، وقال:"بيدي استبانة لحالة سافرة من الأمية البصرية المسيطرة على واقعنا الراهن، إذ لا يلقى العمل الإبداعي اهتماماً موازياً للعناء الذي يتكبده الفنان". وأضاف:"إن هذه الحالة تصيب الفنان بالإحباط وتجره إلى الانعزالية والشعور بعدم الجدوى". ويتضح في مجموعة لوحاته المنجزة في 2007 أنه يخوض مغامرة التجريب المنفتح على الاكتشاف، في محاولة الوصول الى طروحات غير مطروقة، وإن بدا اتجاه الفن التبسيطي البوب آرت مسيطراً على أعماله، متخذاً من كولاج الحياة الشعبية وزخمها المفتاح الذي يحقق له معاييره الفنية، بواسطة استخدام خامات غير تقليدية مثل الأسلاك والعلب الصدئة والمسامير ولغة الشارع، المستمدة من ملصقات الإعلانات وقصاصات الصحف. وتظهر جلياً في أعمال إدريس النزعة السردية التي تروي علاقة الفنان بالموجودات من حوله, فبرزت أحلام الطفولة وحيرة الحاضر وقلق المستقبل.