في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة مقلقة في السوق المحلي، تتمثل في ترويج بعض الوسطاء أفكارا مغلوطة حول نقل السجلات التجارية ومعالجة المديونيات. هذه الادعاءات لا تقوم على أساس نظامي أو مالي صحيح، بل تهدف إلى استدراج الناس وإيهامهم بوعود لا يقبلها العقل ولا المنطق. أول هذه الأوهام ربط نقل السجل التجاري بالتقرير الائتماني (سمة)، وكأن الاطلاع على ال«أي سكور (I-score)» شرط لإنجاز النقل. في حين أن الحقيقة أبسط من ذلك بكثير، فإجراءات النقل تتم حصرا عبر وزارة التجارة مقابل رسوم مقررة، سواء كانت مؤسسة فردية أو شركة، ولا علاقة للتقرير الائتماني بهذه العملية. أما الأخطر فهو ما يروج له البعض بشأن نقل المديونيات، سواء كانت تخص التأمينات الاجتماعية أو الزكاة والضرائب أو حتى البنوك. بعض الوسطاء يزعم أن مجرد تحسن التقرير الائتماني يسمح بنقل هذه الالتزامات، أو أن المديونية البنكية تنتقل تلقائيا مع الحساب والسجل. لكن الواقع أن الدين يظل قائما على المدين الأصلي، ولا يسقط أو ينتقل لمجرد تغيير ملكية السجل. بلغ التضليل حدّا يثير الاستغراب، حيث يسوَّق للبعض صفقات وهمية مثل: «مديونية 200 مليون ريال يمكن التنازل عنها مقابل 70 مليون فقط»، بحجة أن السجل التجاري قادر على حمل هذه المديونية. هذا الطرح لا ينسجم مع أي منطق مالي أو نظامي، ويكشف عن استغلال فجّ لضعف وعي بعض المتعاملين. ويتمادى بعض الوسطاء في الخداع عبر تفسير التقرير الائتماني للعميل، فيخيرونه بين مديونية وأخرى بدعوى أنها «تناسبه أكثر»، في ممارسة لا تتعدى كونها تضليلا مكشوفا. بل وصل الأمر إلى إقحام أسماء منصات حكومية، مثل " منصة اعتماد"، مع أنها منصة للمناقصات الحكومية، ولا علاقة لها بنقل الديون أو إصدار التمويلات. هذه السلوكيات تؤكد أن كثيرا من الوسطاء مجرد «حافظين مش فاهمين»، ينقلون الكلام من وسيط إلى آخر دون إدراك أو معرفة، مستغلين حاجة البعض إلى التمويل أو التخلص من المديونيات. إن خطورة هذه الممارسات تكمن في أنها تهدد شفافية السوق، وتفتح الباب أمام عمليات استغلال مالي تضر بالأفراد والاقتصاد في آن واحد. لذا، تبقى الحاجة ملحّة إلى تدخل من الجهات التنظيمية، لتوضيح الضوابط ومحاسبة المضللين، وإلى دور فاعل من الإعلام الاقتصادي من أجل رفع مستوى الوعي وتفنيد الأكاذيب المنتشرة. وتبقى القاعدة الأساسية واضحة: الديون لا تنتقل إلا وفق الأنظمة واللوائح الرسمية، والسجلات التجارية لا تُباع ولا تُشترى كوسيلة للحصول على تمويلات وهمية. الحل الأمثل لكل متعامل هو التوجه مباشرة إلى القنوات الرسمية، وعدم الانسياق وراء وسطاء يبيعون الوهم بثمن باهظ.