أظهر استطلاع «What Worrie the World» الصادر عن مؤسسة إبسوس لشهر نوفمبر 2025 ارتفاعًا لافتًا في مستوى القلق العالمي تجاه القضايا الأمنية والاجتماعية، في مؤشر يعكس مزاجًا دوليًا مضطربًا وتحوّلًا في أولويات الرأي العام مع استمرار التوترات الاقتصادية والسياسية حول العالم. صعود الجريمة والعنف وكن أبرز نتائج الاستطلاع كانت القفزة الواضحة في القلق من «الجريمة والعنف»، حيث سجّلت هذه الفئة أعلى مستوياتها منذ ما قبل جائحة كورونا. وهذا الارتفاع يعكس مجموعة عوامل متداخلة، أبرزها: • انتشار أنماط جديدة من الجريمة المنظمة في المدن الكبرى. • زيادة العنف الحضري المرتبط بالأزمات الاقتصادية والتفاوت الاجتماعي. • تنامي الجرائم الإلكترونية التي باتت تمثل تهديدًا مباشرًا للأفراد والشركات. وتُظهر هذه المعطيات أن الخوف من الجريمة لم يعد مقتصرًا على دولة أو إقليم محدد، بل أصبح هاجسًا عالميًا يعكس ضعف الثقة بالقدرة على ضبط الأمن في لحظة عالمية متوترة. الهجرة و القلق وأكد الاستطلاع أيضًا أن «الهجرة» و«الهجرة غير الشرعية» أصبحت من أولويات القضايا المقلقة لدى المواطنين في عدد كبير من الدول. وهذا الارتفاع يرتبط بعدة تطورات دولية: • استمرار الصراعات الإقليمية التي تدفع بموجات نزوح واسعة. • التغير المناخي الذي يزيد من ضغوط الهجرة البيئية. • تصاعد الجدل السياسي حول قدرة الدول على استيعاب الوافدين وتأثيرهم على سوق العمل والخدمات. وتحول الهجرة إلى مصدر قلق رئيسي يعكس أيضًا احتدام الخطاب السياسي والاستقطاب المجتمعي في عدد من الدول، ما يجعل الملف جزءًا من معارك انتخابية وجدل عام واسع. دلالات سياسية واقتصادية كما أن ارتفاع القلق من الجريمة والهجرة يشير إلى ضغوط مباشرة على الحكومات في ملفات الأمن الداخلي، الحدود، والسياسات الاجتماعية. ويحمل دلالات على انزياحٍ في أجندات الأحزاب وصنّاع القرار نحو التركيز على الإجراءات الأمنية، مراقبة الحدود، والتشريعات المرتبطة بالهجرة والعمل. وهذا التحول قد يؤثر أيضًا على المناخ الاقتصادي، إذ ترتفع توقعات الجمهور بالحصول على حماية أكبر واستقرار اجتماعي ينعكس على الاستثمار والنمو. لحظة اضطراب وتتسق نتائج إبسوس مع حالة عامة من عدم اليقين العالمي، حيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية، النزاعات الإقليمية، وضغوط الهجرة في صياغة صورة عالمية أكثر توترًا من سنوات ما قبل الجائحة. والمخاوف المتصاعدة تعكس أيضًا فجوة متنامية بين تطلعات الشعوب وقدرة الأنظمة على تلبية متطلبات الأمن والخدمات في ظل تحديات متراكمة. أنماط التهديد وتشير المعطيات المتراكمة خلال السنوات الأخيرة إلى أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا مركزيًا في تشكيل بيئة القلق العالمي، إذ لم تعد الجرائم التقليدية وحدها هي محور الخوف العام. فالتقدم السريع في الذكاء الاصطناعي، انتشار تطبيقات الدفع الرقمي، واتساع الفضاء الإلكتروني أتاح فرصًا أكبر لمرتكبي الجرائم العابرة للحدود. وتواجه الدول صعوبة في بناء أنظمة رقابية قادرة على مواكبة هذا التحول، خصوصًا مع ظهور برمجيات تتيح إخفاء الهوية، والتلاعب بالبيانات، وتنفيذ عمليات اختراق معقدة. كما أن المواطنين باتوا يشعرون بأن حياتهم اليومية، من حساباتهم البنكية إلى خصوصيتهم الرقمية، أصبحت معرضة لتهديدات لا يمكن رصدها بسهولة، ما يزيد من منسوب القلق الجماعي ويعقّد مهمة الأجهزة الأمنية في إدارة المشهد. تغير المزاج العام ويلفت الاستطلاع كذلك إلى أن المخاوف المتزايدة ليست مجرد رد فعل تجاه أحداث آنية، بل تعبر عن تحولات اجتماعية أعمق تتعلق بتراجع مستويات الرفاهية وتزايد الشعور بعدم الاستقرار. فارتفاع تكاليف المعيشة، محدودية الفرص الاقتصادية، واتساع الفجوة بين الطبقات كلها عوامل تغذي الشعور بالخوف من المستقبل. ويؤدي هذا المناخ إلى إعادة تشكيل العلاقات داخل المجتمعات، حيث تتراجع الثقة بالمؤسسات الرسمية ويزداد الاعتماد على شبكات الدعم غير الرسمية. كما تسهم هذه التحولات في خلق بيئة سياسية أكثر قابلية للتوتر، إذ تميل فئات واسعة من السكان إلى دعم سياسات مشددة تجاه الأمن والهجرة، اعتقادًا بأنها تمثل الطريق الأسرع لاستعادة الشعور بالأمان. الاستقرار العالمي ويتوقع محللون أن استمرار هذا المنحنى التصاعدي في مستويات القلق قد ينعكس خلال الأعوام المقبلة على طبيعة التحالفات الدولية وآليات صنع القرار في المؤسسات متعددة الأطراف. فالدول التي تواجه ضغوطًا داخلية مرتبطة بالجريمة والهجرة قد تتجه إلى سياسات أكثر انغلاقًا، ما يحد من قدرتها على الانخراط في مبادرات تعاون دولي واسعة. • القلق من الجريمة والعنف بلغ أعلى مستوى منذ ما قبل كورونا. • الهجرة والهجرة غير الشرعية من أهم مصادر القلق العالمي. • الجريمة الرقمية جزء أساسي من موجة القلق الجديدة. • المخاوف تضغط على صناع القرار وتعيد ترتيب الأولويات الحكومية.