عندما توفي والدي رحمه الله كنت بالصف الثالث المتوسط وأنا الأكبر من أبنائه، كانت أمي حفظها الله تزداد صلابة وقوة حتى أني لم أشعر باليتم، عندما تسارعت الأيام كنت أسأل مع كثرة التجارب ومطبات الحياة وعثراتها كيف كانت أمي صلبة أمام موت أبي ورعاية خمسة أبناء وثلاث بنات وظروف صعبة جدا؟ ولم انتظر طويلا كي أجد الإجابة، فقد كانت جدتي حصة المعتق -أم والدتي- قصة حياة وكفاح من أجلي وأشقائي كما كانت لغيرنا، ودافعاً حقيقيا لوالدتي لهزيمة كل الصعاب، نعم كانت الجناح الآخر مع أمي الذي تمكنت أنا وإخوتي أن نطير بهما ونحلق فوق كل الظروف ونهزم ما استطعنا هزيمته من مصاعب، تقادمت الأيام وعايشت جدتي عن قرب، وكل يوم كنت أكتشف جديدا لم نكن نحن فقط في دائرة اهتمامها رغم كل ما كنت تفعله من أجلنا بل تعدى ذلك إلى محيط كبير من الأقارب والجيران ووصل إلى أن أصبحت في عز نشاطها رحمها الله كجمعية مصغرة كانت تجمع التمور والصدقات والكساء الجديد وتجهزه ويرسل إلى مناطق كان بها محتاجون خارج القصيم، لم تكن تملك المال ولكن صانع المعروف يجد السبيل بعون الله وتوفيقه، كل ذلك يضاف إلى قربها من الجميع أقارب وجيران حتى أصبح وصل الآخرين أولوية عندها رغم أن لها الحق بحكم السن، كانت مدرسة تربوية مختلفة لم تقتصر دروسها على بناتها وأبنائها بل شمل العشرات من أحفادها حتى صنعت منظومة أسرية مختلفة لم تتغير بعد مرضها، ولم تؤثر بها تطورات وسائل التواصل. قبل فجر الجمعة الماضي كانت ساعة الخبر بوفاتها وكنت ووالدتي عصر الخميس نمني النفس بأن تخرج من أزمتها الصحية بعد أن زرناها بالمستشفى ولم أفكر بشيء إلا بخوفي من واقع الخبر على والدتي التي تلقت ذلك بقلب مؤمن وحكت دموعها بل بكائها لي وأشقائي قصة السند الذي دفع حياتنا وساعدنا بعد الله على تجاوز الكثير، فقدت جدتي ولن أفقد دروسها، فقدت جدتي ولن أفقد تربيتها، فقدت جدتي ولن أفقد منظومتها الإسرية بإذن الله، قد لا تفيها الكلمات تعبيرا ولكن عزائي أن الصبر هبة من الله وجدتها في كل من بكى فقد جدتي الغالية .. أسأل الله أن يرحمها ويجمعنا بها في دار كرامته. عبدالله اليوسف