منذ بدايات الألفية وحتى يومنا هذا، ظهر جيل مختلف؛ جيل وُلد بذاكرة رقمية أكبر من ذاكرته الواقعية، يعرف كيف يُحرّك شاشة اللمس أكثر مما يعرف كيف يُمسك كتابًا، يستطيع أن يستمع دون أن ينصت، ويقضي وقته في متابعة حياة الآخرين أكثر مما يصنع حياته بنفسه. لقد تطور ذهنه في سرعة الوصول، لكنه تأخر في عمق التجربة. ومن سلبيات الانغماس الرقمي أن هذا أصبح جزءًا من حياة هذا الجيل، لكن لا يمكن إنكار أنه جاء بثمن باهظ: فقدان التواصل الواقعي مع الأشخاص، الانغماس في الوحدة المجبرة غير المختارة، والسطحية أصبحت أمرًا شائعًا في حياتنا. نتج عن ذلك أشياء سلبية عدة، منها تمني ما عند الآخرين وترك النعم المغموسة داخل الشخص نفسه. فمتابعة حياة الآخرين على المنصات الاجتماعية تولد شعورًا دائمًا بالنقص، والاعتماد المفرط على الراحة والاستسهال جعل البعض يتوقع أن تأتي الفرص على طبق من ذهب. أصبح المجتمع يستهلك الحياة بدل أن يعيشها. لكن لا يمكن إنكار بعض الفوائد. الجيل الحالي يعرف كيف يصل للمعلومة بسرعة رائعة وغير مسبوقة، ولديه مهارات رقمية متقدمة تمكنه من تحقيق عدد من الإنجازات الإيجابية، وقدرة على التعامل مع الأجهزة والمنصات الحديثة بسهولة. كما أن الإنترنت وفر فرصة للإبداع وبناء المشاريع، والتطور الحقيقي لمن عرف كيف يستغلها. الفائدة هنا تكمن في القدرة على التعلم الذاتي والتواصل مع العالم بشكل أسرع من أي جيل سابق. رغم السرعة الهائلة في الوصول للمعلومة، نجد فئة قد تكون ضئيلة وربما متوسطة، من هذا الجيل تعيش في وهم أن كل شيء يجب أن يُقدَّم لها على طبق من ذهب، وإلا فسوف تفسره بسوداوية كبرى. رفض الجامعة، أو عدم قبول فرصة ما، يتحول لديهم فورًا إلى مأساة كبرى، وكأن العالم انتهى. لا يرون في التحديات فرصة للتعلم، والتبدل للأفضل، وربما تكون خسارتهم تلك بابًا لفرص قد تفتح لهم كثيرًا من الأبواب. هذه العقلية، للأسف، تمنعهم من بناء الصبر والتحمل، وهما بالضبط ما يصنعان الفارق بين من ينجح ومن يظل متفرجًا على حياة الآخرين. الحياة الرقمية والهوس بالشاشات في وقتنا الحالي يقدم للجيل فرصًا غير مسبوقة وربما لن تتكرر، لكنه يحمل أيضًا تحديات حقيقية. السرعة والمهارات الرقمية وحدها لا تكفي، بل يجب موازنتها مع تجربة الواقع والصبر على بناء الإنجاز. الشاشة تهديك العالم بين يديك، لكن الحياة الحقيقية لا تُستَلم إلا لمن يجرؤ على أن يعيشها.