في كل عام، تشرق أسماء مدارسنا في سماء الوطن محملة بوسام «التميز في التقويم»، وتعلن النتائج فتزدان القوائم بإنجازات نوعية تستحق التقدير والإشادة. مشهد جميل يبعث على الفخر والاعتزاز، إذ يعكس الجهود العظيمة التي تبذل في رفع جودة الممارسات التعليمية وتجويد أدوات التقويم والمتابعة. غير أن الأجمل من هذا التميز هو أن يبنى على أساس متين من التهيئة والتمكين؛ فالتميز لا يستولد من فراغ، ولا ينمو في بيئة تفتقر إلى مقومات الأمان والتحفيز والجمال. المدرسة التي تحقق نتائج متقدمة في التقويم تحتاج أولًا إلى أن تمنح الحق في بيئة مدرسية مؤهلة، ومرافق آمنة تراعي معايير السلامة والجودة، وتشعر المعلم والطالب معًا بالطمأنينة والانتماء. ولعل البيئة المدرسية والأمن والسلامة من المجالات التي ينبغي إعادة النظر فيها عند قراءة نتائج التقويم، لأنها - في حقيقتها - ليست ضمن دائرة تحكم المدرسة أو إدارتها، بل ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالجهات الداعمة والممولة. ومن ثم، فإن العدالة في التقويم تقتضي أن تقيم المدرسة على ما تملك من أداء بشري وتربوي وفكري، لا على ما يتجاوز سلطتها أو مواردها المتاحة. جوهر التقويم ينبغي أن يرتكز على الإنسان: على أداء المعلمة حين تبدع في شرحها وتنوع أساليبها، وعلى قيادة المديرة التي تحول الرؤية إلى واقع ينبض بالحياة، وعلى كفاءة الموظف الإداري الذي يسهم في انسيابية العمل وجودة الخدمة، وعلى نواتج التعلم التي تمثل أصدق شاهد على أثر التعليم في العقول والقلوب. لقد آن الأوان لأن ننتقل من مرحلة «التقويم من أجل التصنيف» إلى مرحلة «التقويم من أجل التحسين». فليكن هدفنا ليس فقط أن نحصد مراكز متقدمة، بل أن نبني مدارس قادرة على إنتاج التميز لا مجرد التزين به. وهذا يتطلب أن يكون التقويم أداة دعم ونمو، لا وسيلة مقارنة أو منافسة شكلية، وأن تعاد صياغة معاييره بما يبرز جودة الأداء الإنساني والمخرجات التعليمية الحقيقية. التميز الحقيقي ليس لوحة شرف تعلق على الجدار، بل ثقافة راسخة تتجلى في سلوك المعلم، وفي انضباط الطالب، وفي وعي القائد، وفي شعور الأسرة بالرضا عن مدرسة أبنائها. هو تميز يبدأ من داخل النفوس قبل أن يقاس على الورق، ويصاغ بالالتزام والمسؤولية قبل أن يوثق بالأرقام والتقارير. وفي النهاية، حين تتكامل أدوات التقويم مع أدوات التمكين، سنرى مدارسنا ليست فقط متميزة في نتائجها، بل ملهمة في عطائها، ومؤثرة في مجتمعها، ومضيئة في طريق الوطن نحو مستقبل تعليمي أكثر إشراقًا وعمقًا وإنسانية.