ألقى نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الخطاب الملكي السنوي، بخطابٍ ديني يحمل الدعوة إلى إعلاء الشريعة الإسلامية، وإقامة العدل، ومبدأ الشورى، برؤية قيادية متكاملة تؤصل لممارسات الإدارة والتشريع وفق قيم إسلامية راسخة، تضع الإنسان والمجتمع في صميم العمل الوطني، وهذا التأصيل الديني ليس مجرد نصوص نظرية، بل إطار عملي يُرشد صناعة القرار وتوجيه السياسات الداخلية والخارجية، ويعكس التزام المملكة بثوابتها وقيمها المستمدة من الإسلام الوسطي المعتدل. وأكد الخطاب اعتزاز المملكة بمبادئها الراسخة منذ ثلاثة قرون، وتفانيها في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وتأكيد دورها ومواقفها الثابتة تجاه القضايا الإسلامية والعربية والدولية، وجهودها في المحافظة على الأمن والسلم الدوليين ونشر الخيرية والإنسانية في العالم. وشدّد على أن هذه المبادئ ليست إرثًا تاريخيًا فقط، بل أساس حضاري يرسخ الشرعية الدينية للدولة ويجعلها ركيزة للدفاع عن حقوق الشعوب، وعلى رأسها فلسطين. وفي بُعده الاقتصادي، أبرز الخطاب نجاح رؤية المملكة 2030 في ترجمة الطموحات إلى واقع ملموس، حيث تجاوزت مساهمة الأنشطة غير النفطية نصف الناتج المحلي الإجمالي، الذي بلغ أكثر من أربعة ونصف تريليونات ريال، فيما استقطبت المملكة مئات الشركات العالمية لتتخذ منها مقرًا إقليميًا، فكان مؤشرًا حيًا على متانة الاقتصاد وتحوله إلى مقصد عالمي يفتح آفاقًا رحبة أمام الاستثمار والتنمية. وأكد الخطاب السعي نحو الريادة العالمية في الذكاء الاصطناعي، ورفع القدرات الدفاعية، وتوطين الصناعات العسكرية بنسبة غير مسبوقة، مع التأكيد على تنويع الإيرادات وضمان قوة المالية العامة، مما انعكس في انخفاض البطالة، وارتفاع مشاركة المرأة في سوق العمل، وتحسّن مستوى معيشة المواطنين. كما أقر الخطاب بأن ارتفاع أسعار العقار السكني يمثل مستويات غير مقبولة، وأعلن عن سياسات لإعادة التوازن وخفض التكاليف، بما يضمن توسيع الخيارات أمام المواطنين والمستثمرين، وهو نهج يوضح أن التنمية في المملكة تقوم على معالجة التحديات وليس إنكارها. وعلى الصعيد الخارجي، جسّد الخطاب الدور المحوري للمملكة إقليميًا ودوليًا، مؤكدًا موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية وحق أهل غزة، وأن مبادرة السلام العربية تظل الإطار الواقعي لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مع الإشارة إلى نجاح المملكة في حشد الدعم الدولي لهذه القضية. كما تناول دعم وحدة سوريا ورفع العقوبات عنها، والمساهمة في إعادة بناء اقتصادها، إلى جانب تعزيز الاستقرار في لبنان واليمن والسودان، وأكد أن أمن الخليج خط أحمر، وأن المملكة تواصل دورها كركيزة للاستقرار وفاعل رئيس في المشهد الدولي. لقد جسّد الخطاب رؤية متكاملة تجمع بين الثوابت ومرونة التنفيذ، مؤكدًا أن المصلحة العامة هي الهدف الأسمى، والاستعداد لإلغاء أو تعديل أي برنامج متى اقتضت الضرورة، وبرهانًا على أن التنمية في المملكة تقوم على الشفافية والمسؤولية، لا الجمود والانغلاق. وفي قلب هذه الرؤية، يظل الإنسان محور التنمية، مواطنًا كان أو مقيمًا أو زائرًا، ليؤكد أن الأصالة حين تقترن بالتجديد تُنتج نموذجًا استثنائيًا في البناء والحضارة، وتثبت للمجتمع الدولي أن المملكة تمضي بثبات نحو الريادة، وحاميًا للسلام، ومصدرًا للخير والإنسانية.