إذا قضيت بعض الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا، فربما صادفت محتوى «صحي» يثير الشكوك. من غمس أصابع القدم في الماء المثلج إلى السماح للشمس بالوصول إلى أماكن غير مألوفة، تنتشر الاتجاهات بسرعة، بعضها يبدو غير ضار مثل شرب المياه «المحمّلة» أو أخذ حمامات الثلج، فيما يحمل بعضها الآخر مخاطر حقيقية مثل شرب الحليب الخام أو تناول اللحوم النيئة أو تقييد التنفس أثناء النوم باستخدام شريط لاصق. يشير صموئيل كورنيل، مرشح دكتوراة في الصحة العامة والطب المجتمعي في جامعة نيو ساوث ويلز سيدني، إلى أن هذه المساحات الرقمية التي تقدم «ثقافة العافية» قد تتحول إلى أرض خصبة لنظريات المؤامرة وحملات مناهضة التطعيم والترويج لممارسات غير آمنة. ويؤكد أن المشكلة لا تكمن فقط في ضعف المعرفة، بل في أن سمات شخصية معينة قد تجعل بعض الأفراد أكثر عرضة للانجذاب إلى هذه الاتجاهات. سمات الشخصية الكبرى أوضح كورنيل أن علماء النفس حددوا 5 أبعاد أساسية للشخصية: الانفتاح، التوافق، الضمير، الانبساط، والعصابية. ومن بين هذه الأبعاد، يرتبط الانفتاح والتوافق بشكل خاص بالاهتمام بالممارسات الصحية البديلة. الانفتاح: يتسم أصحابه بالفضول والإبداع والميل للمغامرة، وهم أكثر استعدادًا للتشكيك في التقاليد وتجربة أفكار وعلاجات جديدة. التوافق: يتميز أصحابه بالتعاطف والثقة والتعاون، مما يجعلهم متأثرين بسهولة بالرسائل العاطفية، خاصة تلك التي تركز على رعاية الآخرين أو خدمة المجتمع. وأشار كورنيل إلى أن هذه السمات لا تحدد فقط الميل إلى تجربة الممارسات غير التقليدية، بل تؤثر أيضًا في كيفية بحث الأفراد عن المعلومات عبر الإنترنت. فالأشخاص الأكثر انفتاحًا يفضلون المصادر الجديدة وغير التقليدية، بينما يمنح الأشخاص الأكثر توافقًا وزنًا أكبر للمصادر المألوفة اجتماعيًا حتى إن لم تكن دقيقة. الشخصية والتأثير عبر الإنترنت كشف كورنيل أن هذه الخصائص تجعل الأفراد أكثر عرضة للتأثير في النظام البيئي للعافية على الإنترنت، حيث يتمتع المؤثرون بقدرة كبيرة على الإقناع. فالأشخاص المنفتحون ينجذبون إلى المحتوى الجريء وغير المألوف، بينما يجد الأشخاص المقبولون أنفسهم متأثرين بالروايات الجماعية التي تركز على الروابط الإنسانية. وأوضح أن العلاقات «شبه الاجتماعية» بين المؤثرين والمتابعين، حيث يشعر الفرد بعلاقة شخصية مع شخص لم يقابله، تزيد من قوة هذا التأثير. ومع تكرار التعرض، قد تتحول سمات مثل الفضول والتعاطف إلى نقاط ضعف تفتح الباب أمام تبني ممارسات صحية غير مثبتة أو خطيرة. ممارسات متطرفة يرى كورنيل أن بعض الممارسات قد تكون غير ضارة نسبياً، لكنها تمثل بوابة لممارسات أكثر تطرفًا. فقد يبدأ شخص ما بحمامات الثلج لتحسين المزاج، ثم ينتقل إلى أنظمة غذائية تقييدية تحت مسمى «الأكل النظيف»، قبل أن يصل إلى تبني أفكار مضادة للقاحات مبنية على انعدام الثقة بالمؤسسات الصحية. وحذر من أن «تأثير البوابة» يتعاظم إذا تبنى مؤثر يحظى بالثقة أفكارًا أكثر خطورة، إذ سيتبعه كثير من المتابعين تلقائيًا. ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي التعرض المتكرر لهذه الرسائل إلى تآكل الثقة بالمؤسسات الطبية، وتحويل الفضول والانفتاح إلى شكوك وانعدام ثقة عميق. الحاجة إلى التكيف أوضح كورنيل أن حملات الصحة العامة كثيرًا ما تفترض أن رفض الناس للنصائح الطبية التقليدية ناجم عن نقص المعرفة، لكن الواقع أن سمات الشخصية تلعب دورًا كبيرًا في تقبل الرسائل أو رفضها. يمكن مخاطبة الأشخاص ذوي الانفتاح العالي عبر تقديم العلم كعملية متطورة وديناميكية، لا كمجموعة جامدة من القواعد. أما الأشخاص المقبولون للغاية، فيمكن الوصول إليهم برسائل تركز على التعاطف والمجتمع. وأضاف أن نجاح هذه الحملات يتطلب أن تكون الرسائل الصحية جذابة وملفتة، تمامًا كما يفعل المؤثرون، وذلك باستخدام صور قوية وقصص شخصية وعناصر أخلاقية مقنعة، لكن مع الالتزام بالصدق والشفافية. ضحايا المعلومات الخاطئة اختتم كورنيل بالقول إن الأشخاص الذين ينجذبون إلى ممارسات العافية المتطرفة ليسوا مجرد ضحايا لمعلومات خاطئة، بل غالبًا ما يحركهم نفس الفضول والرغبة في التواصل والعيش الصحي مثل أي شخص آخر. لكن التحدي الحقيقي يكمن في توجيه هذا الدافع نحو ممارسات تحقق الصحة لا الضرر، عبر بناء استراتيجيات تواصل قادرة على منافسة جاذبية رسائل المؤثرين على المنصات الرقمية.