هناك عبارة شهيرة تقول: «التعليم من أجل التنمية» وبالمناسبة فقد استخدم هذا المفهوم على نطاق واسع من قبل منظمات دولية أشهرها اليونسكو، إضافة إلى العديد من المفكرين التربويين والاقتصاديين باعتباره رؤية شاملة لدور التعليم في تحقيق التنمية المستدامة. وهذا يأخذنا إلى أن التعليم يُعد أصلا استثماريا ذا أجل طويل ومحركا أساسيا للتنمية المستدامة. ويفرض التعليم ذو الجودة العالية مكانة الدول في ميدان التنافسية العالمية، ويمكنها من النمو في ظل تسارع التحولات التكنولوجية. سوف نتحدث في هذا المقال عن موضوع مهم يتعلق بالدرجات الجامعية وما فوق الجامعية الصادرة من مؤسسات تعليمية أجنبية خارجية، وسنحاول بحثه من جانبين اثنين فقط، يتمحور الجانب الأول حول القرار الحكومي الذي يمنع استخدام هذا النوع من الشهادات للحصول على فرصة عمل أو تولي مناصب إدارية وقيادية معينة في القطاعات الحكومية أو شبه الحكومية دون الحصول على قرار معادلة لتلك الدرجات العلمية من وزارة التعليم العالي. أما الجانب الآخر من هذا الموضوع فسوف يتناول حجم الآثار السلبية الناتجة من الاعتداد بتلك الشهادات على الصعيد المعرفي والاقتصادي لسوق العمل السعودي. فإذا ما أخذنا الجانب الأول بشيء من التفصيل والذي يتناول الرأي الرسمي الواضح من هذه الشهادات «الوهمية»، فهو ينقسم إلى قسمين حيث يتعلق القسم الأول منها بالتعليمات المكتوبة نصًا في موقع وزارة التعليم والمُخصص للشهادات الصادرة من مؤسسات التعليم الأجنبية وشروط معادلتها، والتي تؤكد أولا على أن تكون تلك المؤسسة التعليمية الأجنبية معترفًا بها من قبل جانبي سلطات التعليم العالي في البلدين (بلد المنشأ والمملكة العربية السعودية)، وذلك كشرط أساسي أولي لإصدار قرار المعادلة، ثم بعد ذلك تأتي الشروط الأخرى مثل: انتظام الدراسة، استيفاء شروط التوثيق الرسمي، التوافق الأكاديمي.. إلخ من الشروط الخاصة بوزارة التعليم العالي. أما القسم الثاني من هذا الجانب فهو يتعلق بطبيعة القرار الحكومي ذاته الذي يمنع استخدام الشهادات الأجنبية في سوق العمل السعودي دون معادلة تلك الشهادات من قبل وزارة التعليم العالي حسب الإجراءات النظامية المنصوص عليها، إضافة إلى معرفة الأسباب الموضوعية التي تقف خلف هذا القرار. فمن ناحية القرار الحكومي الصادر في هذا الشأن فهو إجراء يهدف إلى منع استخدام الشهادات الوهمية محليا بشكل قطعي وضمان آلية الاعتراف بالشهادات الصادرة من مؤسسات تعليمية معترف بها، على أن يتم ذلك من خلال إتمام عملية معادلة الشهادات التي تعتمد أساسا التأكد من اعتراف السلطات التعليمية في بلد صدور تلك الشهادات ومطابقتها مع المعايير الأكاديمية المعتمدة وتوثيقها من الجهات الرسمية. وعليه فإن أسباب القرار وأهدافه تكمن في مكافحة تلك الشهادات الوهمية، وذلك بهدف حماية نظام التعليم العالي وضمان الحصول على شهادات علمية من مؤسسات أكاديمية معترف بها، كذلك ضمان جودة التعليم، والتي تؤكد على أن الشهادات المستخدمة في المجتمع تعكس مستوى تعليميا مناسبا وتتوافق مع المعايير العلمية المعتمدة وطنيا، كذلك من ضمن الأسباب الحفاظ على السلامة المهنية لبعض التخصصات ذات البعد المهني كالقانون والمالية وغيرها، والذي يضمن أن تلك المؤهلات صحيحة وصادرة من جامعات معترف بها مما يحمي المهنة والمجتمع. أما الجانب الثاني لهذا الموضوع والذي سوف نحاول من خلاله أن نلقي الضوء على حجم الآثار السلبية من قبول تلك الشهادات في المشهد الثقافي الوطني وكذلك القبول بحضورها في سوق العمل السعودي. سنحاول شرح هذا الموضوع الخطير والخطير جدا، وفي سلة حديثنا مثل شائع ينطبق على أولئك الذين يبارزون بتلك الشهادات، حيث يقول المثل: «فاقد الشيء لا يعطيه». إنه عندما يتم السماح وبأي شكل من الأشكال لذلك التجاوز رسميا أو شعبيا لتلك الشهادات الوهمية بأن تأخذ مكانها في الفضاء المعرفي السعودي فإن ذلك وبكل تأكيد سيشكل معضلة كبرى ستطال كل المجالات في المشهد الوطني، والتي يمكن أن نسرد للقارئ الكريم جزءا منها على النحو التالي: • القبول تنظيميا وشعبيا بمخالفة الرأي الحكومي الواضح في هذا الشأن. • إرباك المشهد الثقافي الوطني وتولد شعور داخلي وخارجي بعدم ضمان جودة التعليم. • ضعف أو تواضع القيمة المضافة التي يمكن الحصول عليها من حملة تلك الشهادات. • المساهمة في خلق توجه لدى الكثير من الشباب الطامحين للحصول على مثل هذه الشهادات والمنافسة بها في سوق العمل. لقد كان هناك إدراك مبكر جدا لدى الدول المتقدمة اقتصاديا مفادُه: أن توجيه الإمكانات نحو الاستثمار في التعليم النوعي ورفع مستوى الجودة التعليمية سوف يولد عوائد اقتصادية ضخمة. سعوديا، وفي ظل رؤية 2030 المباركة فقد تم تبني هذا المبدأ والذي تمثل في محاولة ربط التعليم بالاقتصاد المعرفي، وكان ذلك ناتجا عن الإدراك الواضح لدور هذا النمط التعليمي العصري من تحقيق التنمية المستدامة. إن وجود الشهادات الوهمية في المشهد الثقافي الوطني يتعارض بالكلية مع مبادئ رؤية 2030. والمتعلقة بالتعليم تحديدا. وعليه فإننا نهيب بالجهات الرقابية أن تقوم بعمل مسح كامل لتلك الشهادات في القطاعين العام والخاص، والتأكد من مطابقتها للمعايير التي نصت عليها وزارة التعليم العالي وعدم تجاوز هذه التعليمات بشكل قطعي.