مع بداية كل عام دراسي يترقب أولياء الأمور والمعلمون ما ستقدمه وزارة التعليم من خطط وتنظيمات جديدة، على أمل أن تسهم في تطوير العملية التعليمية ورفع كفاءتها. غير أن ما شهدناه هذا العام أثار كثيرًا من الجدل والتساؤلات، خاصة بعد إعلان الجدول الدراسي بفصلين دراسيين أُلبسا ثوب الثلاثة فصول، مما أحدث صدمة لأولياء الأمور والمعلمين على حد سواء. المعلمون والمعلمات، الذين يعدّون ركيزة أساسية في بناء المجتمع وصناعة أجياله، وجدوا أنفسهم أمام تحديات جديدة لا تتعلق بالتعليم وحده، بل بالرقابة التقنية والالتزامات الإدارية التي أثقلت كاهلهم. فقد أصبح حضورهم وانصرافهم مرهونين بتطبيقات إلكترونية، قد تتعطل بسبب ضعف الشبكة أو مشكلات تقنية، مما يستهلك وقت الحصة ويؤثر على جودة الدرس، رغم أن أحد أهدافه الأساسية تسهيل تسجيل الحضور والانصراف بدلًا من الطُرق الورقية التقليدية، في حين أن الهدف الأساسي من التعليم هو بناء العقول لا الانشغال بمعالجة أعطال تقنية. هم بحاجة للتحفيز والدعم، وليس لمراقبتهم بهذا الشكل ووضعهم تحت ضغط نفسي ربما يؤثر على طلابهم، وجميل لو تم التوازن بين الرقابة والتحفيز من خلال إبراز دور التطبيق في دعم المعلم لا فقط متابعته ومراقبته. إضافة إلى ذلك، جاءت الإجازات الإضافية لتترك أثرًا سلبيًا على الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور. فهي تؤدي إلى تراجع التحصيل الدراسي، وتشتت الانضباط، وتضع المعلمين أمام ضغط تكثيف الدروس لتعويض الفاقد. ورغم أن الإجازة حق مشروع للجميع، إلا أن دمجها في نهاية كل فصل دراسي قد يكون حلًا أكثر توازنًا، يمنح الراحة والاستقرار دون أن يخل بانضباط العملية التعليمية. إن المعلمين اليوم بحاجة ماسّة إلى الدعم والتحفيز أكثر من حاجتهم إلى الرقابة. فالمعلمون الذين يشعرون بالتقدير والاحترام ينعكس عطاؤهم مباشرة على طلابهم، فيبدعون ويجددون. أما إذا أُهمل دورهم وقوبلوا بالتقليل، فإن الإحباط سيقتل شغفهم، وتتأثر جودة التعليم بأكملها، والجميع يعلم أنهم يقدمون من جهدهم ومالهم الخاص الذي من المفترض أن توفره الوزارة، من وسائل تعليمية وأدوات مساعدة، إيمانًا برسالتهم وحرصًا على طلابهم. لكن هذا العطاء لن يستمر بنفس القوة إذا قوبل بالتقليل أو الإهمال. فالمعلم الذي يُقدَّر ويُحفَّز يبدع ويجدد، أما من يُثقل بالأعباء والقيود، فسيفقد شغفه، وتتراجع جودة التعليم بأكمله. إن دعم وتحفيز المعلمين والمعلمات ليس رفاهية، بل هو استثمار حقيقي في مستقبل الوطن. فالمعلم هو من يغرس القيم، وينقل المعارف، ويصنع الأجيال القادرة على مواجهة تحديات الغد. والاهتمام به هو الطريق الأمثل لضمان تعليم نموذجي ومجتمع مزدهر.