عند التخطيط لقرار، ومن ثم تنفيذه، ثم الرجوع عنه، دلالة واضحة لمنظومة تخطو خطواتها وفق معايير وأهداف معينة، كونها تعطي نتائج وفق تجربة واقعية وتقارن مابين توقعاتها وبين النتائج التي تحققت. حينها تقرر، الاستمرار مع بعض الإيجابيات، أو التراجع لتتفادى السلبيات. وزارة التعليم، التي تعنى بتطوير العلم والمعرفة، وتنمية الإنسان والمجتمع، بعد اعتمادها لنظام الفصول الثلاثة، قررت التراجع عنه والعودة لنظام الفصلين. مما يؤكد على استراتيجيتها المتنامية والتي تهتم ليس فقط بتطوير العلم، بل بتكيف المعلم والمتعلم ومدى انسجامهم مع قراراتها، والتي تأخذ بالحسبان لردود الفعل الإيجابية والسلبية أيضاً في آن واحد. لترى مخططاتها على أرض الواقع وبأكمل صورة، معتمدة على تجربة واقعية، درست مكاسبها وتفادت خسائرها. العودة لنظام الفصلين بعد أن شكّل نظام الفصول الثلاث تجربة جديدة في مسار التعليم، في الجامعات ومدارس التعليم العام في المملكة العربية السعودية، والتي كانت تسير تحت مظلة وزارة التعليم وبتقييم مستمر وفق أسس علمية تربوية بالشراكة مع المعلمين والمعلمات والأسرة والجهات ذات العلاقة، توصلت الوزارة إلى أن تحسين جودة التعليم لا ترتبط بشكل مباشر بعدد الفصول الدراسية، وإنما بالعناصر الجوهرية للعملية التعليمية، في مقدمتها تأهيل وتحفيز المعلم، وتطوير المناهج، وتعزيز البيئة المدرسية، ورفع مستوى الحوكمة والتحول المؤسسي، ومراقبة الالتزام من خلال منح مزيد من الصلاحيات والمرونة للمدارس وتمكينها نواة حقيقية للتغيير، والتي أكدت على أهمية تعزيز المرونة في التقويم الدراسي بما يتناسب مع التنوع الجغرافي والثقافي، وتنوع واستدامة الأنشطة الطلابية. وتشير الوزارة إلى استمرارها في تعزيز التنوع والمرونة في بعض المدارس والمؤسسات الحكومية والخاصة، كمدارس التعليم الخاص والعالمية، والجامعات، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني من حيث تحديد النظام الدراسي المناسب لها، إلى جانب الصلاحيات الممنوحة لإدارات التعليم بمنطقتي مكةالمكرمة، والمدينة المنورة، ومحافظتي الطائفوجدة، مراعاة لاحتياجات ومتطلبات مواسم الحج والعمرة والزيارة، وتحقيق التكامل مع الجهات الحكومية الأخرى. وبعد إقرار نظام الفصلين الدراسيين، بعد فترة من تطبيق نظام الثلاثة فصول، إذ يحمل هذا القرار في طياته تغييراً مهماً في مسار التعليم بالمملكة العربية السعودية، وفتح الباب امام فرص جديدة. كما أن هذا التحول في النظام التعليمي لا يقتصر أثره على الجداول الدراسية أو عدد الإجازات فحسب، بل يمتد ليشمل الترتيبات الأسرية، والتخطيط الاقتصادي لها، واستراتيجيات العمل لدى الأمهات والموظفات، بالإضافة إلى تزايد نشاط الأسواق والمشاريع الصغيرة التي تستثمر وتبلغ ذروتها في موسم المدارس. توازن بين التعليم والحياة العودة إلى نظام الفصلين، لا تقتصر عوائده على جانب واحد فقط، بل يمتد أثره لأبعاد عديدة، بعد أكاديمي، اقتصادي ، واجتماعي، كما يؤثر على الحياة اليومية للأسر والمعلمات والموظفات، بالإضافة إلى أنه يحدث أثراً مهما على المشاريع التجارية، خاصة النسائية منها. ومما يتيحه نظام الفصلين الدراسيين في الجانب التعليمي، إعادة توزيع المحتوى بما يتناسب مع فترتين طويلتين نسبيًا، مما يسمح بمرونة أكبر في التخطيط الدراسي، وتجنب الضغط الزمني الذي كان يفرضه النظام الثلاثي. كما يمنح ذلك الطلاب فرصة أوسع للتعمق في المواد، واستيعابها بشكل أفضل، ويفتح المجال للأنشطة اللاصفية التي تعزز مهاراتهم الشخصية. ومن الناحية الاجتماعية، يخلق القرار توازنًا أكبر في جدول الحياة اليومية للأسر، ويعيد لهم إيقاعًا دراسيًا مألوفًا قبل تجربة الفصول الثلاثة. كما أن الإجازات الأطول بين الفصول تسمح للعائلات بالتخطيط للسفر أو المشاركة في أنشطة اجتماعية، مما يعزز الروابط الأسرية، ويمنح الطلاب فرصة أكبر لممارسة أنشطة مختلفة ومتنوعة خارج إطار الدراسة. أما في الجانب النفسي، تقلص عدد الفصول الدراسية قد يقلل من حالة التشتت التي يعاني منها بعض الطلاب، ويمنحهم إحساسًا بالاستقرار والاستمرارية، وهو أمر مهم لزيادة التركيز والتحفيز على التعلم. وفي البعد الاقتصادي، ينعكس القرار اقتصادياً على الأسر، حيث تقل الحاجة لتجهيزات مدرسية متكررة في كل فصل، كما قد ينعكس على حركة السوق في مواسم محددة بدلاً من تكرارها ثلاث مرات في السنة. مما يخلق مواسم تجارية أوضح، ويمنح الفرصة للتجار والمشاريع الصغيرة لتنظيم عروضهم وتسويق منتجاتهم بشكل افضل. كما أن الإجازة السنوية للطلاب تسهم في تعزيز السياحة الداخلية بشكل كبير، والتي تتزامن مع فصل الصيف الذي يرّغب الأسر في السفر للمناطق الباردة مثل مدن جنوب المملكة والمحافظات المجاورة. الاعتماد على التكنولوجيا ومع العودة إلى المدارس، خاصة في وقت بدأ الاعتماد على التكنولوجيا واحدة من أهم أولوياته، تتجه الكثير من الأمهات والأسر إلى الاستعداد مع أبنائهم للدراسة وتجهيز المتطلبات اللازمة عن طريق المواقع والحسابات التي توفر لهم فرصة التسوق السهل والسريع. ومن جهة أخرى اتجهت الكثير من رائدات الأعمال السعوديات لافتتاح متاجر قرطاسية، سواء بشكل تقليدي أو عبر المتاجر الإلكترونية، لتلبية الطلب الكبير على الأدوات المدرسية في موسم العودة للمدارس. ويتميز هذا القطاع بفرص كبيرة للابتكار في التصميم، خاصة مع المنتجات التي تحمل طابعًا عصريًا أو تراثيًا سعوديًا. وتعد الملابس المدرسية من القطاعات التي تحقق مبيعات عالية في بداية العام الدراسي. بعض المشاريع النسائية تقدم تصاميم مريحة وعالية الجودة، مع مراعاة المواصفات الرسمية للزي، مما يمنح الأسر والطلاب خيارًا محلًيا يدعم الاقتصاد الوطني. كما أن تصميم الحقائب المدرسية أصبح مساحة للإبداع، إضافة إلى منتجات مرافقة مثل حافظات الطعام التي تشكّل أهمية كبيرة لأمهات الجيل الحالي وأبنائهم. ومن المشاريع المهمة في قطاع التعليم، المشاريع النسائية التي تركز على تقديم دروس تقوية كالحصص الإضافية أو برامج تعليمية عبر الإنترنت، خاصة مع بداية العام، حيث تسعى الطالبات لتعزيز مستواهم الدراسي منذ البداية. في كل عام دراسي جديد، لا تعود الحركة إلى أروقة المدارس فقط، بل تنبض معها الأسواق المحلية بروح الإبداع والابتكار، في المشاريع النسائية خاصة، التي باتت عنصراً أساسياً في دعم العملية التعليمية وتلبية احتياجات الأسر. ومع التوجه المتزايد نحو التسوق الإلكتروني، واتساع مجالات التصميم والإنتاج، تثبت المرأة السعودية أنها شريك فاعل في مواسم النجاح، داخل وخارج أسوار منزلها، وتسهم بفكرها وإبداعها في صناعة بداية عام دراسي مميز للأبناء والمجتمع. مهمة مزدوجة من المنزل داخل أروقة المدرسة يبدو المشهد التعليمي واضحا وبشكل منظم، وبالعودة إلى المنزل قد يبدو الوضع مختلفا تمامًا، خاصة مع وجود أم عاملة تحمل على عاتقها مهمة مزدوجة، متابعة احتياجات أبنائها الدراسية اليومية وممارسة دورها التربوي، وأداء مهامها الوظيفية بكفاءة. فبين إعداد وجبات الإفطار وتجهيز الحقائب ومراجعة الواجبات، تجد نفسها في سباق مع الوقت، تحاول فيه الموازنة بين أدوارها المتعددة. وفي ظل هذا الحدث السريع، يصبح التخطيط المسبق وتوزيع المهام بين أفراد الاسرة ضرورة ملحّة، لضمان انطلاقة دراسية سلسة تحفظ للأم طاقتها وتوازنها، وللأبناء حماسهم نحو عام جديد مليء بالإنجازات. وغالباً ما تلجأ الأم العاملة إلى ابتكار استراتيجيات خاصة تساعدها على تجاوز هذه الفترة المزدحمة، مثل إعداد وجبات الأسبوع مسبقًا، أو الاستعانة بخدمات التوصيل والنقل المدرسي لتوفير بعض الوقت، أو حتى تخصيص ركن دراسي مجهز داخل المنزل ليكون محفزاً للأبناء على التركيز وإنجاز مهامهم. كما تلعب التكنولوجيا دورًا داعمًا لها، من خلال التطبيقات التي تذكر بالمواعيد، وتنظم الجداول، وتتيح متابعة الواجبات المدرسية عن بعد. ورغم ما تحمله هذه المرحلة من ضغط، فإنها بالنسبة للكثير من الأمهات فرصة لتعزيز روح المسؤولية لدى الأبناء، وغرس قيم الانضباط وتنظيم الوقت، مما ينعكس إيجابًا على أدائهم الأكاديمي وحياتهم الشخصية على المدى البعيد. في نهاية المطاف، تظل بداية العام الدراسي بالنسبة للأسر، وخاصة الأمهات العاملات، أكثر من مجرد حدث موسمي عابر، بل مرحلة انتقالية تحمل في طياتها تحديات وفرصًا في آن واحد. فالتوفيق بين الأدوار المهنية والأسرية يحتاج إلى وعي عالٍ بأهمية التخطيط، وإيمان بأن الاستثمار في تنظيم الوقت وتوزيع المهام هو استثمار مباشر في استقرار الأسرة ونجاح الأبناء. ومع تزايد الاعتماد على الحلول الرقمية والخدمات المساندة، بات بالإمكان تخفيف عبء هذه المرحلة وتحويلها من فترة ضغط وإرهاق إلى مساحة للإبداع في إدارة شؤون الحياة اليومية. وهنا، يبرز دور الأم العاملة كشريك فاعل في صياغة مستقبل أبنائها، فهي لا تقدم لهم الدعم الأكاديمي فقط، بل تزرع فيهم قيم الانضباط، والقدرة على التكيف، وتحمل المسؤولية، وهي مهارات تبقى معهم مدى الحياة. وكعادتها في التميز، نجحت الأم السعودية في بناء أجيال واعية وقادرة على تحقيق النجاح. وفي كل صباح يوم دراسي جديد، مهما كانت صعوبته، ينبثق معه أملاً جديدا، يؤكد أن الجهد المبذول اليوم سيثمر غداً جيلاً قادرًا على تحقيق أحلامه، يسهم في بناء وطنه بكل حب وولاء. بين الواقع والتحديات يعد قرار العودة إلى نظام الفصلين الدراسيين، نموذجاً حيا لتجربة تعليمية ديناميكية تتفاعل مع الواقع والتحديات، وتعيد رسم ملامح التعليم بما يتناسب مع تطلعات المجتمع وأفراده. فوزارة التعليم، من خلال هذه الخطوة، تؤكد حرصها على بناء منظومة تعليمية متكاملة، لا تقتصر على تغيير الجداول أو توزيع الأيام الدراسية، بل تسعى لتحقيق توازن حقيقي بين مكونات العملية التعليمية، واحتياجات الطلاب، والمعلمين، والأسر، بالإضافة إلى دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر تنشيط الأسواق والمشاريع المحلية. لقد أثبتت تجربة نظام الفصول الثلاثة قيمة المراجعة المستمرة والمرونة في اتخاذ القرارات، مما يجعل كل تغيير خطوة محسوبة ومدروسة تعكس روح التطوير والتجديد. فالفصلان الدراسيان لا يقدمان فقط بيئة تعليمية أكثر استقراراً وتركيزا للطلاب، بل يفتحان أيضا آفاقا أوسع لتنمية مهاراتهم، ويمنحان الأسر مزيداً من الوقت لتخطيط حياتهم، ويخلق فرصا جديدة للمرأة السعودية في عالم ريادة الأعمال، لتكون شريكاً فاعلاً في هذا النجاح. وبدورها كأم عاملة، فهو محور متجدد في هذه المعادلة، حيث تتجاوز مسؤولياتها لتصبح قوة دافعة في تنظيم الحياة اليومية، وداعمة لنجاح أبنائها، وشريكاً أساسياً في بناء مستقبلهم. وهي برغم كل التحديات، تظهر قدرة فائقة على التكيف والإبداع في إدارة الوقت والمهمات، مما يجعلها مثالاً يحتذى به في الصبر والعطاء. إن هذا المزيج بين القرار الحكيم، والمشاريع النسائية الطموحة، ودور الأم العاملة، يشكل نسيجاً متكاملاً يدعم أهداف التعليم في المملكة ويعزز رؤيتها الطموحة نحو مستقبل مشرق، وقادة تدعم أبناء المجتمع وتؤمن بقدراتهم.