كلمة المصالحة هي الأكثر ترددا على ألسن المسؤولين العرب، في الاجتماعات التشاورية والرسمية لوزراء الخارجية في الدوحة هذه الأيام وفي الاتصالات بين الرؤساء الذين يعقدون قمتهم غداً. لكن المؤشرات الصادرة من الدوحة ومن عواصم عربية فاعلة، خصوصا القاهرة، توحي بأن شكليات هذه المصالحة لم تتوافر بعد. لا بل يُعتقد بأن توفير هذه الشكليات لن يحل ازمة المصالحة العربية التي تُستنسخ، في مناسبات القمة، منذ حوالي 60 عاما. بالطبع، ليست هناك ضرورة للمصالحة لولا وجود خلافات عربية - عربية ترتبط بقضايا سياسية عامة تهم جميع العرب، حكومات ومواطنين. وفي عمق هذه الخلافات ان لكل من اطرافها وجهة نظر ما في شأن التصدي لهذه القضايا، تتعارض مع وجهات نظر اخرى. وعندما تقترب مواسم القمم، ومن اجل توفير امكان إصدار البيان الختامي مسايرة للدولة المضيفة، ينكب الخبراء على تدوير زوايا المواقف لتنتهي الاجتماعات بصياغة عامة لا تقدم شيئا في تقدم الحلول ولا تزيل التعارضات بين المواقف المختلفة. لتعود عجلة الخلافات الى الدوران وتعود معها عجلة البحث عن المصالحة. لكن في كل حالات الخلاف لم يكن مطروحا التوجه نحو مقاربة جديدة للازمات. فهي ظلت ازمات عربية عامة، رغم انها تتعلق بقضية عربية معينة تهم اساسا اصحابها. وظلت اداة لتوسيع النفوذ خارج الحيز الوطني، بحجة ان القضية قومية، بغض النظر عن وطأة هذا التوسع على امكانات الحلول. وفي هذا التوجه، تُنزع عن القضية اهم ميزاتها، وهي انها تخص دولة وشعبا عربيا معينا، تقتضي مصلحته بإيجاد الحل من داخل مؤسساته على اساس نظرة واقعية وموضوعية لطبيعة مشكلته، بغض النظر عن دوافع هذا الطرف العربي. وبما ان الازمات كلها قومية وادوات لتوسيع النفوذ، يصبح التدخل الخارجي فيها ملازما للرغبة في إحداث تغيير في ميزان القوى الداخلي، على نحو يطيح امكانات الركون الى الآليات الداخلية في حل نزاعات داخلية. وهذا يعني في الوقت نفسه، عدم الاعتراف باستقلال الطرف المعني بالازمة وعدم الركون الى القوانين التي ترعى ممارسته السيادية. هذا لا يعني انعدام مسؤولية اصحاب الازمات الداخلية التي تثير الانقسامات العربية. لا بل على العكس انهم يشكلون امتدادا لمسؤولية قوى التداخل ما ان يعتبروا ان الخصومة الداخلية هي جزء من النزاع العام. فتراهم يتخلون عن الادوات القانونية والدستورية في صراعهم الداخلي ويقبلون على مد اليد الى الاطراف الخارجية لينتصروا بها في معركتهم الداخلية. بكلام آخر، ما تزال معاني الاستقلال والسيادة الوطنية والاحتكام الى الدساتير والقوانين في البلدان العربية تخضع لاعتبارات ما فوق وطنية. لتتحول الاوطان التي تتميز بحرية اتخاذ القرارات وكيفية ادراة الحكم الى مسرح للتعارضات العربية العامة، السياسية والمصلحية. اي ان كلا من بلدان الجامعة العربية لم يتوصل بعد، رغم الاعتراف الرسمي وتبادل السفراء، الى الاعتراف بحقيقة الدولة المستقلة. ويصح ذلك بشكل خاص على الازمات المطروحة امام القمة العربية الحالية، من كيفية ادارة الصراع مع اسرائيل وما نتج عنه من حروب وانقسامات فلسطينية وإضعاف للطرف الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب ورفض السلام في اسرائيل، الى الازمة السودانية الداخلية واشتباك الخرطوم مع الاسرة الدولية بسبب كارثة دارفور، مرورا بلبنان الذي لم يتعاف من التجربة المرة للتدخل العربي لتحييد الممارسة الدستورية فيه. وفي هذا المعنى يكمن المدخل الفعلي للمصالحة العربية بالاعتراف العلني والفعلي بسيادة كل دولة عربية والامتناع عن اعتبار ان اي ازمة في هذا البلد او ذاك هي المناسبة للتدخل وتوسيع دائرة النفوذ. لأن كل تدخل من اي طرف يستدرج بالضرورة تدخلا من طرف آخر، لتتحول اي ازمة داخلية قابلة للحل وفق آليات دستورية وقانونية الى مسرح لاشتباك الاطراف الخارجية المتدخلة.