المملكة تضع مصالحها وقرارها السيادي فوق أي اعتبار الاتصال الهاتفي بين الملك سلمان وترمب جسد التفاهم المشترك بين البلدين إذا كان بعض الخبراء يعتقدون أن كثيراً من ثوابت العلاقة الإستراتيجية بين واشنطن والرياض قد تحولت إلى متغيرات فهم واهمون ويعيشون خارج سياق معادلة توازنات السياسة العالمية؛ كون هذه العلاقات وصلت لمستوى ومصاف الشراكة الإستراتيجية، وحافظت على مستوى من الاستقرار والثبات على مدى العقود الماضية. وتدرك الولاياتالمتحدة حجم ودور المملكة الحقيقي دولة قائدةً ومحوريةً تتمتع بثقل واستقرار اقتصادي وسياسي على مستوى العالم العربي والإسلامي خصوصاً، ومكانة قيادية على مستوى العالم عموماً. فالمملكة في جميع خطواتها السياسية والدبلوماسية والإستراتيجية تضع مصالحها وقرارها السيادي فوق أي اعتبار، وتنطلق من معرفتها بما تريد هي لا من إداركها لما يريد الآخرون، وإن كانت معرفتها بمواقف الآخرين جزءاً من انتهاجها لسياسة الحوار؛ لكي تتوفر المعرفة المتبادلة بضرورة السعي نحو تقريب وجهات النظر. وعندما أجرى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فإن هذا الاتصال جسد التفاهم المشترك والتأكيد على العلاقات التاريخية والإستراتيجية، وتأكيد الجانبين على ثوابت العلاقات وحث البلدين على استمرار جهودهما المشتركة لتعزيز أمن المنطقة واستقرارها. إن النهج الإستراتيجي الذي يقوده الملك سلمان بن عبدالعزيز يؤكد قوة النموذج السعودي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وإستراتيجياً في الحفاظ على مصالح المملكة الحيوية ضد أي تهديدات خارجية، فالعالم اليوم ومن بينه منطقة الخليج يواجه معضلة كبرى جراء الفكر الإرهابي الإيراني خصوصاً بعد أن جهر النظام الإيراني بعدائه للمنطقة والعالم. فالاستقراء الموضوعي يكشف بوضوح أن السياسات الإيرانية تسببت في معضلات ومشكلات كثيرة، إذ أصبحت إيران وبأيدي حلفائها ووكلائها في المنطقة أداة تدمير بما يمثلونه من خطر على السلم الإقليمي. لقد أشار خادم الحرمين الشريفين -خلال الاتصال الهاتفي مع الرئيس ترمب- إلى جهود المملكة الرامية للوصول إلى حل سياسي شامل في اليمن وإلى مبادرة التحالف بوقف إطلاق النار دعماً لجهود المبعوث الأممي، وهذا الموقف نابع كون المملكة تضع في اعتبارها الحالة الإنسانية والقيم الإسلامية ونحن في شهر رمضان المبارك رغم أن مليشيات الحوثي لم تحترم قرار وقف إطلاق النار، وجاءت تأكيدات الرئيس الأمريكي -أن الولاياتالمتحدة تدعم الجهود المبذولة للوصول لحل سياسي للأزمة اليمنية- دليلاً على تقارب الموقفين السعودي والأمريكي حيال حل الأزمة اليمنية. كما أوضح الرئيس ترمب أن واشنطن ملتزمة بحماية مصالحها وأمن حلفائها في المنطقة وتصميمها على مواجهة كل ما يزعزع الأمن والاستقرار فيها، أمام حقيقة سياسات التمرد الإيرانية في المنطقة وتصريحات خامنئي أخيراً حول الخليج العربي، وأن الفكر الفارسي الإرهابي يقوم على الإرهاب الطائفي والنزعة الانتهازية العدوانية والعداء المستحكم، إذ أصبح نظام خامنئي عاجزاً عن استيعاب واقع العصر، فعاش في عزلة حتمية مما يجعل تقاربه مع العالم بالغ الصعوبة. الولاياتالمتحدة تاريخياً شريك إستراتيجي للمملكة، وهي شراكة تقوم على الندية والتكافؤ، وتتسم بالتوازن والتفاعل والاعتراف المتبادل بين البلدين بأهمية الآخر كونه طرفاً أساسياً في كثير من المعادلات الإستراتيجية، لقد وصلت العلاقات السعودية - الأمريكية إلى مستوى من النُّضج السياسي، وهو الذي سمح للطرفين بتبادل وجهات النظر حتى وإن حدث هناك بعض التباين كون هذه الشراكة طويلة الأمد ومبنية على الصراحة والشفافية.