طالما أبهجتنا تلك المدينة بلطفها، وسحرها، وَوهْج أصحابها، نفِد إليها غرباء فتفتح الأبواب والأحلام والحكايات، تسكب الضوء في خطواتنا، والأمل في مساماتنا، (الرياض) المدينة العميقة بجذورها التاريخية، وحضارتها، وعاداتها وشوارعها، ونُبل أهلها وسكانها، المدينة التي حملت السلام قولًا وفعلًا ونهجًا، المدينة التي واكبت الحداثة، وحافظت على الموروث، فارتدت الحضارة ولم تخلع أردية التاريخ، لتصبح الوِجهة الفاتنة لكل العالم، (الرياض) الحاضرة ثقافيًا واجتماعيًا وعالميًا، هي المدينة التي لا تعبرنا بصمت بل تترك عبقها، وبريقها، وحكاياتها، وأحداثها، هي الشريان النابض بالحياة والفعاليات، والمؤتمرات والمشاركات العالمية، هي اللمعان الذي لا يخبو أبدًا، قبل عدة أيام أُغلقت أبواب معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، بعد أن أحدث ضجيجًا حلوًّا في أيامنا، المعرض الذي كان وِجهةً عالمية، ومزارًا فاخرًا، وحدثًا احتفاليًا، حظيتُ بزيارته ولم أكتفِ بالكتب، بل كنت أراقب المشهد من بعيد، العين ترصد الأحداث، والذاكرة تدوِّن الحكايات، والعدسة تلتقط الصور، فهنا حراكٌ ثقافيٌ آسر، وعوالم متعددة تحت سقفٍ واحد، وثقافاتٍ مختلفة داخل دائرةٍ متسعة، ففي معرض الكتاب أنت لا تبتاع كتبًا فقط، بل تبتاع مشهدًا وحكايةً وحوارًا، في معرض الكتاب تبدو لك المشاهد كمهرجانٍ متكاملٍ للوعي، حيث ازدان بكل الفئات المجتمعية والعمرية، أطفالًا وشبابًا ومسنين، جمع القرى والمدن والدول، جمع الأدباء والقراء والمثقفين والنقاد والناشرين، روحٌ ثقافية تملأ المكان، ونقاشاتٍ عابرة تتردد بشغف، يقول فرانسيس بيكون: (القراءة تصنع الإنسان الكامل، والمحادثة تصنع الإنسان المستعد، والكتابة تصنع الإنسان الدقيق) التقط السَّمع حول كتاب أو عنوان أو فكرة، حديث العابرين يحرضني على اقتناء المزيد، فأتجاوز قائمتي المحددة بعد غرقي في صبابة الكتب، وأملأ حقيبتي بذلك الزحام الفاخر، في معرض الكتاب كانت المساحات نابضة بالحياة والمعرفة والشغف، رائحة الورق تعطر المكان، وصُنَّاع الإبداع يعانقون الحدث، زخمٌ جميل، وحراكٌ صحي يحقق أحد أهداف الرؤية العظيمة والتي تسعى إلى وجود المجتمعات الحيوية، شكرًا معرض الكتاب، وشكرًا للرياض الآسرة والتي تكرمنا دائمًا، وتستقبلنا بحبٍ وحفاوة، بدءًا من نادل القهوة في المطار، والذي ناولني قهوتي وأتبعها بلغةٍ مكسرة (سمِّي) بعد أن تسربت إليه ثقافة المدينة، وَمرورًا ببائعي الكتب الذين زودوني بالمعرفة والأسعار المتزنة، وَوصولًا إلى كل الأصدقاء الذين أكرموني بحفاوتهم وعبارتهم العميقة (هل تحتاجين شيئًا) شكرًا للرياض التي ستظل وِجهةً ومنبرًا وحكايةً جميلة.