جاءت مبادرة «الشريك الأدبي» التي أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة في مارس 2021، كخطوة رائدة ضمن مبادرات وزارة الثقافة، لتشكل قيمة ثقافية واجتماعية متجددة، تستند إلى رؤية المملكة 2030، وتهدف إلى إعادة الاعتبار للمشهد الأدبي بوصفه عنصراً حيوياً في الحياة العامة. لم تكن المبادرة مجرد برنامج ثقافي عابر، بل جسّدت مشروعاً وطنيًا يحتفي بالكلمة، ويعيد للمقاهي والصالونات الثقافية في مختلف مدن ومحافظات المملكة دورها الحيوي كمنصات إبداعية وفضاءات للتلاقي الفكري والاجتماعي، فتحوّلت المقاهي من مجرد محطات للاستراحة إلى محافل للفكر والحوار والمعرفة. وقد لعب «الشريك الأدبي» دورًا بارزًا في دعم هذه المساحات، عبر تطوير آليات تنظيم الفعاليات والأنشطة الإبداعية داخلها، بما يحفز على التجديد والابتكار، ويجعل من كل فعالية لحظة نابضة بالحياة، وكل لقاء نافذة تطل على عوالم الأدب والفكر. ما يميز هذه المبادرة حقًا، هو كونها تتجاوز دعم الأدب والثقافة بوصفهما قطاعين مستقلين، لتسهم في خلق شراكات مجتمعية، وتحفيز بيئات الإبداع، وبناء مشهد ثقافي حيّ يعكس تطلعات المجتمع، ويعزز حضور المملكة في خارطة الثقافة العالمية. ومع كل موسم، نرى أثر الشراكة الأدبية يمتد ويتجذر، لا في الفعاليات وحسب، بل في البيوت، حيث أصبح للثقافة نصيب يومي، وللكتاب مكان دائم، ولم تعد القراءة حكرًا على المكتبات، بل امتدت إلى المقاهي، والمجالس، وحتى داخل تفاصيل الحياة اليومية. اليوم، نعيش تحوّلاً جميلاً: لم تعد المقاهي محطة لاحتساء القهوة فقط، بل غدت مساحة تُقرأ فيها الكتب، وتُقام فيها الندوات، وتُلقى القصائد، وتُناقش فيها الأفكار. أصبحت رفوفها تزينها الكتب الموقعة من المؤلفين، أو المهداة من القرّاء، فصار المقهى ملتقى لكل من يحمل شغفًا بالمعرفة والجمال. هذا التحول لم يقتصر على الأفراد، بل انسحب أثره إلى العائلات والمجتمع بأسره، حيث بات لكل أسرة فرد أو أكثر يتابع بشغف المشهد الثقافي، سواء بحضور الفعاليات، أو من خلال المتابعة الإعلامية، ما يعكس تنامي الوعي الثقافي لدى مختلف فئات المجتمع. في أربعة مواسم متتالية، أثبتت المبادرة نجاحها الكبير، بعدد المشاركات الواسعة من المقاهي والصالونات والجهات الثقافية، ما أسهم في رفع جودة المحتوى الثقافي، واستقطاب المواهب الأدبية، وتحويل المقاهي إلى منابر للإبداع الحقيقي، وتشجيع الناس على القراءة والانخراط في المشهد الثقافي بصورة طبيعية. أما الإعلام، فقد كان الشريك الصامت الصدوق، الذي ساهم بفاعلية في نقل هذا الحراك الثقافي إلى المتابعين، وعزز من مكانة «الشريك الأدبي» كمصدر غني للمحتوى الثقافي، يواكب الأحداث، ويمنح المبدعين فرصاً للتعبير والتفاعل، ويصل بالصوت الثقافي إلى كل مكان. ختامًا.. «الشريك الأدبي» لم يكن مبادرة عابرة، بل أصبح علامة فارقة في سياق التحول الثقافي بالمملكة. مشروع يجمع الكُتّاب والقرّاء، المحاضرين والجمهور، المقاهي والإعلام، ضمن منظومة واحدة تنسج ملامح نهضة ثقافية وطنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. شكرًا لهيئة الأدب والنشر والترجمة، ولكل من آمن بالكلمة، واحتفى بالكتاب، وفتح الأبواب للمعرفة كي تتنفس وتنتشر.