"في أحد الأيام منذ زمن بعيد بينما كان أهل المريخ ينظرون من خلال مناظيرهم المكبرة اكتشفوا أهل الزهرة، وبلمحة خاطفة أيقظ أهل الزهرة مشاعر لم يكن لأهل المريخ بها عهد. لقد وقعوا في الحب واخترعوا بسرعة سفنا فضائية وطاروا إلى الزهرة".. كانت تلك المقدمة من كتاب "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة" للمؤلف د. جون غراي، بالنظر للفجوة العميقة القائمة فيما يخص التفاهم بين الزهرة والمريخ في مجتمعنا وحتى في المجتمعات الأخرى باختلاف أعراقها وثقافاتها يتبادر إلى الأذهان سؤال عن سبب هذه الفجوة بين الجنسين والتي يتشعب منها جذور سرطانية عميقة كفيلة بإنهاء علاقات وروابط غالبا ما يندم أصحابها في وقت لاحق. الاختلاف - ولا أتحدث هنا عن الاختلاف بمعناه القريب، إنما الاختلاف الذي ينبع من الذاتين الذكورية والأنثوية، فيما يرغبه كل منها وما يتوقعه من الآخر وحين نردد "خُلقنا مختلفين لنتكامل" باعتقادي هنا أن هذا إشارة لاختلاف طبائع كل من الجنسين، على سبيل المثال: يُعرف عن المريخ بأنه معطاء كما يُعرف عن الزهرة بأنه مُستقبِل لهذا العطاء، وحين يتخلى أحدنا عن هذا الجانب من ذاته تبدأ المشكلات بالظهور على السطح وتبدأ التموجات بتعكير صفو المياه الراكدة، يشعر الرجل بأهميته حين يحتاج إليه الآخر وتشعر المرأة بالقوة حين تجد الأمان مع الآخر. يُعرف عن الرجال أن لهم عالمهم الخاص والذي لن يرغب أحد منهم المساس به، كما يُعرف عن النساء قدسية عالمهن الخاص والذي لن يقبلن أن يقوم أحدهم بإلغائه، وباستكمال الحديث عن حقيقة "الاختلاف" الغائبة عن معظم الأذهان لا بد هنا من ذكر أن هذا الاختلاف لا يُعطي الأحقية لأحد الطرفين بالاستنقاص من الآخر، فحين يطلب الرجل الانزواء بنفسه أو أن "يدخل كهفه" يتوقع من شريكته أن تتفهم حاجته للمساحة لا أن تزيد العبء عليه بالملاصقة له وبالتقصي وكثرة الأسئلة حول طبيعة هذه العزلة، ولا بد أن تتذكر المرأة أنها تحتاج ذات العزلة بين الفينة والأخرى للتخفف من الأعباء والضغوط. تختلف ردود الأفعال اتجاه المواقف أيضا، فما تراه الأنثى مثيرا للمشاعر والشفقة يراه الرجل طبيعيا ولا يستدعي هذا التدفق من المشاعر، وليكسب الطرفان في العلاقة لا بد من معرفة المواطن التي تمكنهم من كسب النقاط للارتقاء ولتقوية روابط هذه العلاقة، فمعرفة تفضيلات الشريك أساسية والتعامل معه بفطنة وذكاء لا تقل أهمية عن هذا، قد تصدر من المريخ تصرفات عابرة في حين أنها تمس شيئا من مشاعر الزهرة والعكس صحيح وهنا طريقة عرض السؤال والاستفسار عن الموقف لها دور في تفاقم الموقف أو إخماده، وأرغب بالتنويه هنا أنه وبحسب قراءتي وتجاربي الشخصية فغالبا التصرفات العابرة لا يوجد لها مبرر لذلك لن نجد الجواب لسؤالنا، أي أن السؤال عن سببها إرهاق للمشاعر والعلاقة لا أكثر. لكل من المريخ والزهرة لغة مختلفة كاختلاف مواقع هذه الكواكب، ولكي نتعلم لغة الآخر لا بد من فهم وإدراك جوانب الاختلاف لكل منا واستيعابها والتكيف معها.