كثير من دول العالم تعتمد بشكل أساسي على مراكز الدراسات في كثير من قراراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية من خلال ما تقدمه من دراسات وأبحاث وتقارير واستطلاعات لصناع القرار حول القضايا الإقليمية والعالمية تحتل مراكز الدراسات مكان الصدارة في الاستراتيجيات العالمية ومؤسسات البحث العلمي والدراسات الاستشرافية وقد حظيت باهتمام كبير في أوساط النخب الغربية المؤثرة والمؤسسات العلمية وإليها يعود الفضل في كثير من صناعة القرارات الاستراتيجية في العالم. وهذا الحديث عن مراكز الدراسات يمثل مفاتيح استرشاد للوقوف على فكرة ومنهج وأهداف ومجالات تلك المراكز البحثية. فرسالة ورؤية ومنهج مراكز الدراسات يكمن في إجراء الدراسات والبحوث والانفتاح على الثقافات والحضارات والفكر الإنساني والنظر إلى الموضوعات والقضايا من منظور فكري واستراتيجي وذلك عن طريق توظيف مخرجات ونتائج البحث العلمي لمساندة صناع القرار في رسم السياسات والاستراتيجيات وتقديم الاستشارات والدعم المعلوماتي للدوائر الرسمية ورصد مجمل التغييرات الإقليمية والعالمية والتعامل معها بموضوعية. فمراكز الدراسات والبحوث ذات شقين: * الشق الأول: أقسام ومراكز الدراسات الأكاديمية التابعة للجامعات. * الشق الثاني: مراكز الدراسات المستقلة. وإن كانت تلك المراكز بقسميها الأكاديمي والمستقل لا تقتفي منهجية واحدة فقد يأخذ أحدها بموقف فكري وآخر أيديولوجي وبعضها يأخذ طابعًا اجتماعيًا أو فلسفيًا أو تاريخيًا أو سياسيًا وإن كانت تلك المراكز تتأسس على المنهج العلمي الحديث إلا أن بعضها قد يخضع لموقف محافظ أو متغير أو يميني أو يساري أو أيدلوجي فمن تلك المراكز من لا يأخذ بالشرط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لدراسة الأفكار وإنما تدرس الأفكار وكأنها كيان مستقل بذاته ومنها من يخضع الأفكار للعامل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فأقسام ومراكز الدراسات الأكاديمية التابعة للجامعات تتنوع تنوعًا قاريًا أو إقليميًا كمركز أو قسم الدراسات الأوربية ومركز الدراسات الروسية وقسم الدراسات الإفريقية ومركز الدراسات الأميركية وقسم دراسات الشرق الأوسط وقسم الدراسات الآسيوية وقد درست في هذا القسم أو المركز والتابع لجامعة Seton Hall في مدينة ساوث أورنج. فإذا ما أخذنا مثلًا مركز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأميركية نجد أن قسم دراسات الشرق الأوسط لا ينظر إليه على أنه مجرد قاعات أكاديمية يدرس من خلالها التاريخ والحضارة والجغرافيا وإنما يتعدى هذا الطور إلى دراسة الدول والشعوب دراسة تحليلية دقيقة وشاملة تصل إلى حد العمق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والحضاري والاستراتيجي يعتمد فيها على الأبحاث الاستقصائية والتحليلات المنهجية والدراسات الاستكشافية الجادة والتي تستفيد من نتائجها الإدارات الأميركية والشركات الدولية. فمثلًا مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورجتاون يقدم استشارات للدوائر الرسمية وقد حدثني حينها د. جون رودي أثناء زيارتي للمركز قائلًا إن المركز لديه برنامج للتعريف بالعالم العربي ويوفر معلومات عن الشرق الأوسط لمختلف الشخصيات والقطاعات الأميركية وفي نفس الوقت تستفيد مراكز صناعة القرار وأجهزة الإعلام الأميركية من المعلومات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط كما تحدثت إلي في تلك الزيارة د. جودي تكر - وهي بالمناسبة إحدى الأكاديميات البارزات في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورجتاون - قائلة: هناك أعداد كبيرة من الطلاب الأميركيين يهتمون بدراسة الشرق الأوسط وهذا ساعد كثيرًا على التعرف على منطقة الشرق الأوسط فقد أصبح تعليم اللغة العربية إحدى لغات الشرق الأوسط عاملًا أساسيًا في الحياة الأكاديمية والعلمية وبالذات للمهتمين بشؤون الشرق الأوسط، كما نالت الدراسات والأبحاث المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط اعتبارًا كبيرًا لدى الدوائر الرسمية الأميركية. وفي هذا يقول د. بنارد رايتش رئيس قسم الدراسات الشرق أوسطية في جامعة جورج واشنطون: إن منطقة الشرق الأوسط تعتبر من المناطق غير المعروفة للطالب الأميركي خاصة في التاريخ والثقافة والأديان وفي القسم يتاح للطالب تعلم اللغة العربية كجزء من برنامج دراسات الشرق الأوسط وعندما يتخرج الطالب من القسم يتجه للمجالات التي تهتم بشؤون الشرق الأوسط سواء في الحكومة الأميركية أو القطاع الخاص. أما مراكز الدراسات المستقلة والتي أنشأها باحثون مستقلون كمركز كارنجي للسلام الدولي وغيره من المراكز الأخرى وهي في الغالب مراكز ومؤسسات فكرية تقوم بإجراء الدراسات والأبحاث وتقدم تحليلات منهجية حول مختلف القضايا الإقليمية والعالمية وترصد التوجهات الاستراتيجية لصالح مراكز صنع القرار في الدوائر الرسمية. وكثير من دول العالم تعتمد بشكل أساسي على مراكز الدراسات في كثير من قراراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية من خلال ما تقدمه من دراسات وأبحاث وتقارير واستطلاعات لصناع القرار حول القضايا الإقليمية والعالمية.