كشفت مصادر ديبلوماسية عربية وثيقة الاطلاع لپ"الوسط" ان اقدام 4 دول عربية على توقيع معاهدة منع استخدام وتصنيع وتخزين وتدمير الاسلحة الكيماوية، خلافاً لقرار اتخذته جامعة الدول العربية، جاء نتيجة اتصالات حثيثة قامت بها فرنسا ودول غربية بارزة اخرى مع هذه الدول. واكدت المصادر ان هذه الدول الاربع، وهي المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، وقعت المعاهدة استناداً الى قرار اتخذته في اطار اتحاد المغرب العربي وبهدف تحسين وتطوير العلاقات المغاربية - الاوروبية. وقد وقّع هذه المعاهدة ممثلو 130 دولة حضروا مؤتمر باريس لنزع السلاح الكيماوي الذي انعقد في مقر الاونيسكو في الفترة بين 13 و15 كانون الثاني يناير الجاري. وستدخل هذه المعاهدة حيز التنفيذ بعد التصديق عليها من قبل 65 دولة من بين الدول التي وقعتها. وتنص المعاهدة على حظر انتاج الاسلحة الكيماوية وامتلاكها وشرائها وتخزينها واستعمالها، وتقضي بتشكيل فريق تفتيش دولي مركزه لاهاي هولندا يمكنه اجراء حملات تفتيش اينما ومتى يشاء، وتدعو الى انزال عقوبات تقرها الاممالمتحدة بحق اي بلد يمنع فريق التفتيش من اداء مهماته. وبموجب المعاهدة سيتم اتلاف الاسلحة الكيماوية في العالم في غضون 10 سنوات على ان يسمح للولايات المتحدة وروسيا بفترة 15 سنة لضخامة مخزونيهما. ولا يقتصر توقيع المعاهدة على الاحتفال الرسمي الذي جرى في باريس في الفترة المذكورة، وانما بوسع اية دولة ان توقع عليها في مقر الاممالمتحدة في نيويورك في وقت لاحق تماماً كما هو الامر بالنسبة الى معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية. وتميز احتفال توقيع هذه المعاهدة في باريس بامتناع غالبية الدول العربية عن توقيعها التزاماً بقرار اتخذته الجامعة العربية في ايلول سبتمبر الماضي، وقد بررت الجامعة العربية موقفها على اساس ان تل ابيب لا تزال ترفض توقيع معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية وتمتلك السلاح النووي وهي تهدد العرب بمثل هذا السلاح. لذلك لا بد من حظر انتشار الاسلحة النووية والكيماوية في وقت واحد. ويدعم قرار الجامعة مشروع مصري صدر بعد حرب الخليج وينص على جعل منطقة الشرق الاوسط منطقة منزوعة من كل اسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية وغيرها. ولم تلتزم 4 دول عربية - حتى الآن - بقرار الجامعة العربية اذ وقعت كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا المعاهدة، وحضرت دول عربية اخرى مؤتمر باريس من دون التوقيع على المعاهدة ومن هذه الدول ليبيا والكويت واليمن. وخرقت ليبيا الاجماع المغاربي وامتنعت عن توقيع المعاهدة. وقال مصدر ليبي لپ"الوسط" ان المسألة "تتعدى الالتزام بقرار مغاربي او الاجماع المغاربي، ناهيك عن ان الدول المغاربية لم تتضامن مع ليبيا في مواجهة الحصار المفروض عليها". وتعتقد مصادر ديبلوماسية عربية في باريس ان ليبيا كان يمكنها ان توقع المعاهدة لقاء الغاء او تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها لكن الاتصالات السرية التي تمت في هذا الصدد بواسطة اطراف محايدة لم تحقق الاهداف المرجوة. وتفسر هذه المصادر اسباب الموقف الليبي بالقول ان ليبيا متهمة من طرف الغرب بتصنيع الاسلحة الكيماوية وان توقيعها المعاهدة من دون الحصول على ضمانات غربية من شأنها ان يعرضها لعمليات تفتىش ورقابة هي في غنى عنها في الظروف الراهنة. اما عن احتمال تراجع ليبيا عن موقفها وبالتالي توقيع المعاهدة فتقول هذه المصادر ان ذلك لن يتم الا اذا حصلت السلطات الليبية على ضمانات لا يبدو ان الغرب مستعجل لمنحها للسلطات الليبية في ظل المعطيات الراهنة. تبقى الدول الاخرى التي وقعت المعاهدة، ومن بينها ايران وباكستان والهند واسرائيل، وهذه الدول تعتبر دولاً نووية بدرجات متفاوتة، وتوقيع المعاهدة لا يضرها بل يحقق لها مكاسب مهمة اذ يظهرها بمظهر الدول الملتزمة بالشرعية الدولية في ما يخص السلاح الكيماوي ويحرم خصومها غير النوويين من وسائل تهديد محتملة بامتلاك السلاح الكيماوي. ولوحظ في هذا المجال ان الرئيس الفرنسي ميتران اعلن دعمه للمشروع المصري الرامي الى جعل منطقة الشرق الاوسط منطقة منزوعة من اسلحة الدمار الشامل. وعبّر وزير الخارجية الفرنسي رولان دوما عن تفهمه للموقف العربي في هذا المجال. اذ أبلغ الاخضر الابراهيمي وزير الخارجية الجزائري ان فرنسا تتفهم موقف الدول العربية وقلقها من امتلاك اسرائيل اسلحة نووية. ولوحظ ان سفير المغرب في باريس عباس الفاسي تحدث عن "اختلال التوازن المهدد بالخطر الناجم عن اقتناء اسرائيل الاسلحة النووية". واعرب عن امله في ان "يوحد المجتمع الدولي جهوده لاقناع اسرائيل بالانضمام الى معاهدة عدم انتشار السلاح النووي واخضاع منشآتها لنظام الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية".