قبل عدة سنوات، شهدت إحدى المدن الهندية حادثة سقوط لعبة تُعرف باسم Pendulum Ride. وقع الحادث في متنزه ترفيهي، حيث انكسر ذراع اللعبة أثناء التشغيل، ما أدى إلى وقوع إصابات وعلى الفور، أغلقت السلطات جميع الألعاب المماثلة، وبدأت تحقيقات فنية وجنائية، ركّزت على جودة الفولاذ، وأنظمة التوازن، وآليات الأمان. أما في إندونيسيا، فقد وقعت حادثة مشابهة في أبريل 2025 حيث أصيب فتى يبلغ من العمر 13 عامًا بكسور متعددة بعد سقوطه من مقعده في إحدى حدائق الملاهي. كان المراهق راكبًا في لعبة «بندول 360» حيث أبطأت اللعبة سرعتها عند القمة، تاركة الركاب معلقين رأسًا على عقب كما كان مخططًا لها، ومع بدء سقوط «البندول»، انزلق الصبي بوضوح من مقعده، ويمكن رؤيته معلقًا على قضيب حديدي يصارع الموت بينما تستمر اللعبة في الدوران. وعلى ضوء تلك الحوادث، أصدرت بعض البلديات قرارات تُلزم الشركات بالحصول على تقييم هندسي مستقل قبل تشغيل أي لعبة مستوردة ذات حركة ميكانيكية عالية. هذه الخطوات جاءت استجابة لمطالبات شعبية بزيادة الرقابة الفنية على مدن الملاهي، خاصة في الألعاب التي تُشغّل بسرعات ودورات معقدة. عندما وقعت حادثة سقوط لعبة «360 Big Pendulum» في أحد متنزهات الطائف، لم يكن المشهد مفاجئًا لمن يتابع حوادث مشابهة في دول أخرى. اللعبة، وهي من نوع الألعاب الدوارة المتأرجحة بزاوية 360 درجة، سبق أن تسببت في إصابات خطيرة، بل وفي وفيات ببعض الدول. هذا التشابه في الحوادث يطرح سؤالًا بالغ الأهمية: هل نستفيد فعليًا من تجارب الدول الأخرى؟ وهل لدينا قاعدة بيانات حقيقية تُحلل حوادث الترفيه عالميًا، وتربطها بالمخاطر المحتملة في الداخل السعودي؟ أم أننا نتعامل مع كل حادثة بوصفها «حالة فردية» حتى يتكرّر المشهد في مكان آخر من جديد؟ ما الذي يعيق استنساخ النمط الوقائي في المملكة؟ لدينا بلا شك بنية تحتية قانونية تُلزم الجهات الترفيهية بإجراءات السلامة، وفرق طوارئ فاعلة كما أظهرت استجابة الهلال الأحمر السريعة في حادثة الطائف. لكن الواقع يُظهر أن إجراءات السلامة غالبًا ما تأتي كردّ فعل، لا كسياسة وقائية مستدامة تُبنى على التنبؤ والمراجعة الدورية. في كثير من دول العالم، تُشكّل الحوادث الكبرى نقطة تحوّل تُعيد فيها الأنظمة النظر في سياساتها ومعاييرها. من حق المواطن والمقيم أن يجد الترفيه الآمن، لا أن يكون ضحية لعبة لم تخضع لفحص دقيق، أو لم يتم تحديث سجل صيانتها. ومن حقنا كمجتمع أن نعرف: هل استوردنا هذه اللعبة من دون النظر في سجل حوادثها في الخارج؟ هل سُمح بتشغيلها رغم تحذيرات فنية سابقة؟ نحن في مرحلة تحوّل وطني كبير، ومجال الترفيه جزء مهم من رؤية السعودية 2030. لكي نُكمل هذه الرحلة الطموحة لا بد أن تكون السلامة ثقافة مؤسساتية تُبنى على المعرفة، لا على رد الفعل. وبهذا المنظور، نتطلع إلى تأسيس مركز وطني لتحليل حوادث الترفيه عالميًا، وتقديم تقارير استباقية ملزمة للجهات المحلية قبل منح التصاريح لأي منشأة أو لعبة. لا بد من إشراك الجامعات والمعاهد الهندسية السعودية في بناء سجل تقني شامل لكل لعبة، يوضح : العمر الافتراضي، المواد المستخدمة، الأعطال التاريخية عالميًا، وآلية التعامل مع الطوارئ. الترفيه لا يعني فقط رسم البسمة، بل ضمان ألا تتحول إلى صرخة ألم، نحتاج إلى أن نكون جزءًا من العقل العالمي، لا مجرد متلقّين لهزّاته. سقوط اللعبة في الطائف ليس مجرد حادث، بل جرس إنذار قوي ولا ضير في أن نستفيد من تجارب الآخرين.