بيئة عسير تطلق المرحلة الأولى من مبادرة تمكين    السعودية ترحب باتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن    FIFA يرفع عقوبة النصر    المملكة تسجل رقمًا قياسيًا في "غينيس" ب 95 طنًّا من البذور الموسمية    فيصل بن مشعل: كرنفال بريدة للتمور حقق نجاحات عكست امكانات القصيم الاقتصادية الكبيرة    إنزاغي يرسّخ حضوره الدولي.. مدرب الهلال بين أعمدة التدريب في 2025    تعليم الطائف يختتم المسابقات الصحية المدرسية    "الشؤون الإسلامية" تنفّذ ورشة تدريبية حول توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة المنبر والخطابة    برعاية سعودية.. توقيع اتفاقية لتبادل 2900 أسير في اليمن    زين السعودية تعلن شراكة استراتيجية مع بنك التنمية الاجتماعية    مجلس الوزراء يوافق على قواعد ومعايير أسماء المرافق العامة    تعديل نص المادة 58 من اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية فرنسا لدى المملكة    أمير الجوف يرأس اجتماع اللجنة العليا لدعم تنفيذ المشاريع والخدمات للربع الثالث 2025    عندما تنمو الصناعة ينمو الوطن    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على شخص لترويجه نبات القات المخدر    أمير الرياض يرعى الاثنين المقبل حفل الزواج الجماعي التاسع بجمعية "إنسان"    أمير المنطقة الشرقية يستقبل سفير جمهورية باكستان الإسلامية لدى المملكة    جدة تستضيف نهائيات دوري أبطال آسيا للنخبة 2026    الجولة 13 تنطلق الأربعاء.. الإثارة متواصلة في دوري يلو    أصدرت أمانة منطقة تبوك، ممثلةً في وكالة التراخيص والامتثال    كونتي بعد التتويج: تجربتنا في السعودية رائعة.. ومدينة نابولي سعيدة بهذا اللقب    المدينة المنورة تحتضن افتتاح مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي    إطلاق مهرجان جازان 2026 تحت شعار «كنوز الطبيعة».. فعاليات متنوعة وتجربة سياحية على مدار العام    جامعة الأميرة نورة تفتح باب التسجيل في برنامج التسجيل المزدوج لطالبات الثانوية    نيمار يخضع لجراحة ناجحة في الركبة    إصدار طابع تذكاري لقصر الفيحاني في دارين    تجمع تبوك الصحي ينجح في إجراء عملية تغيير مفصل الركبة    ضوء النهار يضبط مستويات الجلوكوز في الدم لدى مرضى السكري        مفردات من قلب الجنوب 34    الرئيس ترامب يطلق مشروع بناء سفن حربية من فئة جديدة تحمل اسمه    اندلاع حريق بمنشأة صناعية في ستافروبول الروسية    الوقت كالسيف    افتتاح المتنزه سيشكل نقلة نوعية.. الداود: القدية وجهة عالمية للترفيه والرياضة والثقافة    تخريج دفعة جديدة بمعهد الدراسات للقوات الجوية بالظهران    وصول الطائرة السعودية ال 76 لإغاثة الشعب الفلسطيني    100 فلسطيني بلا مأوى بسبب الهدم الإسرائيلي    ب "علينا"… علي عبدالكريم يستعيد عرش الأغنية الطربية    استعراض التخلي    الذكريات.. أرشيفنا الذي لا يغلق    الكلام    «نسك حج» المنصة الرسمية لحجاج برنامج الحج المباشر    الاستعداد للامتحان    «النيابة»: يحظر ترك الحيوانات خارج الأماكن المخصصة لها    أوميغا- 3 والحوامل    18 ألف جنيه إسترليني تعويضاً عن ركل سائح    «التخصصي» يحقق جائزة «أبكس» للتميز    «قسد» تستهدف أحياءً سكنيةً ونقاطاً لقوى الأمن الداخلي والجيش السوري    الملحق العسكري في سفارة مصر بالمملكة يزور التحالف الإسلامي    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    بين الملاحظة و«لفت النظر».. لماذا ترتاح المرأة للاهتمام الذي لا يُطلب !!    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    خطط «الصحة» على طاولة أمير القصيم    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكبر سوق عربية لتقنية المعلومات والاتصالات وتنمو بمعدل 15 في المئة سنوياً . هل تفصل فجوة رقمية السعودية عن مجتمع المعلوماتية واقتصاد المعرفة ؟
نشر في الحياة يوم 29 - 02 - 2004

مجتمع المعلوماتية هو مجتمع يمتلك أفراده القدرة على التعامل مع معطيات وتقنيات بما ينفي انتشار الأمية المعرفية بين الأفراد. إذاً، يتحقق مجتمع المعلوماتية كمحصلة لقدرة يكتسبها الأفراد، ما يعني أن المرتكز في المجتمع المعلوماتي هو الفرد الملم الذي اكتسب القدرة المعرفية عبر التعليم المنهجي. ولاكتساب مجتمع ما صفة أنه مجتمع معلوماتي فعليه أن يعمل وفق استراتيجية تعليمية تجابه الأمية المعرفية.
وهناك من يقدر أن نحو 40 في المئة مما تسورده دول المنطقة العربية من معدات تقنيات المعلومات والاتصالات والبرمجيات تتجه الى السوق السعودية، مما يجعلها السوق الأولى في المنطقة من ناحية الطلب.. فكيف هو الوضع من حيث النتيجة؟ طبقاً لمؤشر الإتاحة الرقمية دي أي آي الصادر عن الاتحاد الدولي للإتصالات فإن قيمة المؤشر في السعودية هو 0.44 عام 2003، مما يجعل الاتاحة الرقمية في السعودية ضمن مجموعة الدول متوسطة الإتاحة. وإجمالاً، فحتى يحسن المجتمع السعودي عموماً، والاقتصاد السعودي تحديداً من تنافسيته عالمياً، فلا مناص، ضمن أمور أخرى، من رفع مستوى الاتاحة عبر تحقيق وثبات معلوماتية متتابعة.
وتوظيف تقنية المعلومات والاتصالات تحد بحاجة للقليل من التخطيط والكثير من العمل، تضبطه بمرونة ووعي استراتيجية محفزة تتواءم أدواتها مع طبيعة التقنيات المفتوحة. وعند إعداد الخطط فليس متوقعاً التوقف أمامها نهاية بل هي أرضية لقرار، فالخطط والاستراتيجيات لا تصنع إنجازات بل هي مجرد مرحلة من مراحل"التفكير"، أما القرار فهو بداية"الفعل"، وإذا كان الكل يتغنى بمجتمع المعلوماتية واقتصاد المعرفة، فقليلة هي الإلتزامات والنتائج على الأرض. فعلى رغم تصاعد الواردات من حاسبات وبرمجيات وخدمات ذات صلة، وتكدس التصريحات الإيجابية، وتكاثر خطابات النوايا الحسنة، وإلحاح التقارير التي تبين مزايا التقنية وأهميتها في حقبة الانفتاح والعولمة والتنافس، وعلى رغم أن ما يسمى بمجتمع المعلوماتية يأتي في أعقاب حقبة المجتمع الصناعي، أي أن مجتمع المعلوماتية، كما يعرفه الباحث الياباني البارز يونيغي ماسودا، هو مجتمع ما بعد التصنيع، مما قد يترك التساؤل عالقاً في أذهان المهتمين: هل على الاقتصاد السعودي أن يسعى للمعلوماتية أم للانفتاح أم أن عليه أن يواصل اعتباره التصنيع خياره الاستراتيجي، أم ان التنويع ما بين خيارات عدة هو المسار الأسلم لحقبة ما بعد الانضمام الى التجارة الدولية؟
أما الواقع على الأرض، وما تبثه المؤشرات والتقارير، فإن سوق المعلوماتية السعودية هي الأكبر في المنطقة العربية وتنمو بما يتجاوز 15 في المئة في المتوسط سنوياً والتوقعات عن مستقبلها واعدة، لكن ما يضاف لها محلياً من قيمة محدود بالفعل، فهي سوق تستهلك وترتكز على إشباع الطلب عبر استيراد السلع والخدمات والموارد البشرية في شتى أنشطة المعلوماتية، كما أن تأثير قطاع تقنية المعلومات والاتصالات محدوداً على توجهات الاقتصاد الوطني، ما يعني أن عدم إدخال إصلاحات في سوق المعلوماتية السعودية سيعني اعتماداً صارخاً على الخارج من دون مقابلة ذلك بإنتاج السلع والخدمات المعلوماتية ومن دون تعليم وتدريب وتأهيل الكوادر المواطنة.
"الطبقية الرقمية"
ويتبادر للذهن السؤال التالي: ما هي الخطوات المتخذة لتوظيف المعلوماتية لتخدم المجتمع السعودي وتنميته؟ ولعل ليس مقصد السؤال تناول الخطوات المتخذة على مستوى التفكير والتنظير، بل تلك التي اتخذت على مستوى التنفيذ، للنظر مثلاً لمعدل انتشار استخدام الانترنت في مجتمع معين باعتباره المؤشر الأهم على جاهزية ذلك المجتمع لتوظيف التقنية لتحقيق أهدافه وتطلعاته، إذ يعتبر استخدام هذا المؤشر وتفريعات له للاستدلال على أن طبقية جديدة آخذة في التشكل نتيجة لانتشار الانترنت في مجتمعات ومحدوديتها الحادة في أخرى، وسميت هذه الطبقية الجديدة ب"الطبيقية الرقمية"، كظاهرة تمايز بين من"يملك"ومن"لا يملك". لعل أفضل تعريف لهذه الطبقية صدر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي قالت في تعريفها للطبقية الرقمية:"هي الفجوة بين الأفراد والأسر والأعمال والمناطق الجغرافية على تفاوت مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية للاستفادة من تقنيات المعلوماتية والاتصال واستخدامهم للانترنت في أنشطتهم المختلفة".
وهناك من يشكك في وجود الفجوة الرقمية بصورة مستقلة، باعتبار أنها وجه آخر للفجوة الاقتصادية بين المجتمعات الغنية والفقيرة، بمعنى أنها أي الفجوة الرقمية لا تستوجب معالجة مستقلة لذاتها وبذاتها. وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع وجهة النظر تلك، فالفجوة الرقمية ظاهرة تتفاقم، وقد أشار لذلك العديد من أصحاب الآراء المعتبرة، فمثلاً يعتبر خوان سومافيا المدير العام لمنظمة العمل الدولية، احدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، انها تعزز مخاطر خسارة جزء من العالم، فيما تمثل الطبقية الرقمية الخوف الأكبر لرئيس شركة"مايكروسوفت"بيل غيتس. اما رئيس"سيسكو"جون تشامبرز، وهي من أكبر شركات تجهيز الشبكات في العالم، فيعتقد أن فشل العالم في تضيق الفجوة قد يؤدي الى استمرارها وتفاقمها لسنوات طويلة مقبلة. ولعل أكثر وجهات النظر واقعية وقرباً لمنظور الدول النامية ما صرح به وزير خارجية الصين لي جاو جينغ في أحد اجتماعات ملتقى منتدى آسيا والمحيط الهادئ آبك بقوله ان"حصة آسيا من التجارة الإلكترونية نحو 25 في المئة عام 2003، بما يعد بفرص تجارية كبيرة. فإن أردنا عدم انصراف هذه الفرص عنا علينا البحث عن تنمية تجمع بين الاقتصاد الجديد وردم فجوة الطبقية الرقمية".
الفجوة الرقمية
بالاستناد إلى الأقوال التي تقدمت، ولما يشاع حول المكاسب التي بإمكان الدول نامية ومتقدمة اقتصادياً تحقيقها، نجد أن الفرص الواعدة لتقنية المعلومات لن تؤتي أكلها إلا بإزالة الفجوة الرقمية. وعملياً وباعتبار أن الدول تتنافس فيما بينها، فليس متوقعاً أن يتجاوز الجهد الدولي التمتمات الشفوية والخطب المدوية في المحافل، لتبقى بذلك مسؤولة ردم الفجوة الرقمية متربعة في حجر كل دولة على حدة، أو على أحسن تقدير كل مجموعة من الدول تربط بينها عوامل الحضارة أو اللغة أو التقارب الجغرافي أو الاقتصادي، في محاولة للتعاضد والتعاون والتكافل للوقوف في وجه الطبقية التي ستؤدي للحرمان الاقتصادي وللأمية الجديدة.
وهنا لا بد من بيان أن مجرد دخول خدمة الانترنت رسمياً لبلد ما لا يعني توافر الخدمة للمجتمع بشرائحه المتعددة، وإلا لما كان هناك خطر يستحق الإشارة. ومصداقاً لذلك فخدمة الانترنت متاحة حالياً في نحو 214 بلداً وإقليماً في العالم، على رغم أن عضوية منظمة الأمم المتحدة لا تتجاوز 189 دولة. وعليه، فالقضية تكمن في جودة الخدمة، ومدى انتشارها بين شرائح المجتمع على تنوعه، وكلفة الحصول على الخدمة، ضمن أمور أخرى. ولبيان هذه النقطة، فالحديث عن التوسع في اتاحة الانترنت إلى معدلات كبيرة تشمل المجتمع بأسره لا معنى له إلا عند امتلاك المجتمع للأساسيات، فقد تمكنت أيسلاندا، على سبيل المثال، من تحقيق مرتبة متقدمة في انتشار الانترنت لأسباب موضوعية منها أن 99 في المئة من الأسر في ذلك البلد تملك كومبيوتراً شخصياً، وأن 61 في المئة لديها خط هاتفي. وهذه، مقارنة ببقية الدول، تعكس انتشاراً نادراً لتقنية الحاسب والاتصالات. وفي المقابل فندرة وجود الحاسب والخط الهاتفي يعيقا بالضرورة انتشار خدمة الانترنت، ليجابه المجتمع مخاطر الإنزواء الرقمي. وتؤيد الإحصاءات المتاحة هذا الاستنتاج، ففي حين يقدر عدد من مستخدمي الإنترنت في العام بنحو 680 مليون شخص، نجد ان وجودهم يتركز في الدول المتقدمة اقتصادياً والتي تمتلك معدلات نفاذ عالية لخدمات الاتصالات وإنتشاراً واسعاً للحاسب الشخصي، وتحديداً فنحو 29 في المئة من مستخدمي الإنترنت هم في الولايات المتحدة و23 في المئة في أوروبا و13 في المئة في دول آسيا المطلة على المحيط الهادىء.
لإدراك ما يحدث فقد يكون مناسباً التوقف عند الدول التي تعاني من تدني الاتاحة، فهي عرضة للمعاناة من آثار الطبقية الرقمية وتبعاتها، فنحو 10 في المئة من سكان العالم فقط بإمكانهم الوصول للإنترنت، وقرابة 60 في المئة من مستخدمي الانترنت هم من الدول الغنية. أما الأمر الملفت، فهو ان وضع الدول النامية إجمالاً لن يحقق قفزة نوعية في اتجاه الإتاحة الشاملة، إذ ليس متوقعاً أن يتجاوز انتشار الانترنت في الدول النامية أربعة في المئة في المتوسط مع نهاية سنة 2005، مقابل 72 في المئة في المتوسط للدول المتقدمة اقتصادياً، وهي السنة نفسها التي من المتوقع ان تصل قيمة نشاط الأعمال الإلكترونية سبعة تريليونات دولار. وهنا يطرح السؤال: كم سيكون نصيب الدول النامية من ذلك النشاط؟ وما هو نصيب الدول العربية؟ وما نصيب الاقتصاد السعودي؟
الهند
ولعل من المفيد بيان أن حبائل الفجوة الرقمية قد تعيق اقتصادات نامية واعدة في هذا المجال مثل الهند، فعلى رغم أن الهدف التنموي المعلن للهند هو رغبتها أن تصبح قوة اقتصادية رئيسية سنة 2020، وانها ستسعى لتحقيق معدل نمو حقيقي يتجاوز ثمانية في المئة في المتوسط سنوياً للعقد الحالي، وعلى رغم أن أكثر من مليون من أبنائها من خبراء المعلوماتية يعملون خارجها في انحاء العالم، وأن الهند تسعى لتحقيق طفرة رقمية على رغم الصعوبات الكبيرة، فنصف السكان يعانون من الأمية وأكثر من 500 مليون من الهنود يعيشون على دخل يقل عن دولار واحد يومياً، وأن انتشار خدمة الانترنت يشمل أقل من واحد في المئة من السكان، وهذا يقل كثيراً عن المتوسط في العالم خمسة في المئة وتوافر الهاتف هو في حدود 2.2 خط لكل مئة من السكان، وهو معدل متدن مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يقدر بنحو 15.5 خط لكل مئة. ومع كل ذلك فالهند تصر على البقاء في الحلقة الرقمية وكسب الجولات لصالح اقتصادها الرقمي، عبر المكافحة لإيجاد بنية وبيئة حاضنة ومنافسة من التشريعات والحوافز والمزايا.
مع نظرات الإعجاب باصرار الهند، وهي أمة قادرة على تحقيق الكثير، تبقى الحقيقة ان الهند اختارت أن تقفز الفجوة منفردة. وفي المقابل، نجد ان دول رابطة آسيان تعمل سوياً من باب التعاضد لإزالة شبح الطبقية والحرمان الرقمي من الاقليم من جهة، وفي الوقت نفسه لتنافس اقتصادياً في مجال الاقتصاد الرقمي عالمياً. وتشير الاحصاءات إلى الهوة الكبيرة في اتاحة الانترنت في ما بين دول آسيان نفسها، ففي حين أن نحو اثنين في الألف في كمبوديا وفيتنام يستخدمون الانترنت، فالنسبة في سنغافورة تتجاوز 300 في الألف.
الدول العربية
وفي المقابل، وعند الالتفات إلى عالمنا العربي فعلى رغم أن التقديرات تبين نمواً في عدد مستخدمي الإنترنت في الدول العربية حيث يقدر عدد المستخدمين بنحو ثلاثة في المئة نحو تسعة ملايين نسمة من سكان الدول العربية 300 مليون في نهاية 2003، إلا أن أعراض الفجوة الرقمية بادية على مجتمعاتنا العربية من دون مواربة، فاستخدام اللغة العربية حالياً يمثل أقل من نحو ستة في الألف من مواقع الانترنت، وعلى رغم سيطرة اللغة الإنكليزية على الانترنت من ناحية المحتوى نحو 48 في المئة، فللغات الأخرى نصيب حيث تبلغ حصة اللغة الكورية خمسة في المئة والايطالية ثلاثة في المئة، والبرتغالية ثلاثة في المئة. وهذه لغات يقل عدد متحدثيها عن متحدثي اللغة العربية الذين يقدر عددهم بنحو 300 مليون، إضافة لعشرات الملايين في أنحاء العالم الإسلامي.
وعند تناول انتشار الانترنت في البلدان العربية، ومنها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبصورة أخص السعودية، نجد أنه متدن جملة وتفصيلاً. بل ان انتشار الانترنت في عالمنا العربي يقل كثيراً عن المتوسط العالمي، يضاف الى ذلك ضعف التواجد العربي من ناحية المحتوى على الشبكة، على رغم أهمية اللغة العربية ليس فقط للعرب بل كذلك لنحو 1.3 بليون مسلم. وإذا أردنا المقارنة باللغة الصينية، مثلاً، سنجد اننا نتخلف عنها بفارق كبير، ففي حين أن نحو تسعة في المئة من محتوى الشبكة باللغة الصينية، يبلغ وجود اللغة العربية أعلى قليلاً من نصف من الواحد في المئة 0.6 في المئة. ومن البداهة، أن يشكل هذا الوجود المتواضع حائلاً طبيعياً دون استخدام الشبكة العالمية لشرائح عريضة من المجتمع العربي وملايين المسلمين ممن يرتبطون روحياً بهذه اللغة. وغني عن القول إن هذا يستدعي مبادرات جادة، وجهداً متواصلاً لتكثيف تواجد اللغة العربية فتصبح الشبكة حلقة وصل بين المهتمين بالعربية في شتى أصقاع الأرض.
وعلى رغم أن المستقبل واعد في توظيف تقنية المعلومات والاتصالات في مجال الأعمال في السعودية، إلا أن ذلك لن يتحقق إلا بمبادرات جادة تتجاوز التنظير إلى التنفيذ، وسيل المبادرات الوطنية القابلة للتنفيذ يجب أن يتواصل من دون انقطاع مع رغبة في تقليص مخاطر أن تصبح الفجوة الرقمية حائلاً ما بين ان يصبح المجتمع السعودي مجتمعاً معلوماتياً، ومن جهة أخرى أن تمنع تلك الفجوة الحكومة السعودية من تحقيق ما يعرف بالحكومة الالكترونية. فعدم انتشار خدمات الإنترنت الخدمة الشاملة سيعيق مبادرة الحكومة الإلكترونية من دون شك، إذ علينا التذكر دائماً أن مبادرة الحكومة الإلكترونية ستعني وصول الخدمات الحكومية لأصقاع السعودية على تباعدها ليساهم ذلك في الحد من تركز تلك الخدمات في بلدات معينة في المملكة. كما أن عدم قدرتنا على التغلب على الفجوة الرقمية سيعني عدم تمكن قطاع الأعمال من الوصول إلى التوقعات المتفائلة عن إمكانية استفادة الاقتصاد السعودي من مزايا التجارة الإلكترونية، فقد قدرت دراسة لمركز المدار أن تصل قيمة التجارة الإلكترونية في ما بين قطاع الأعمال السعودي إلى ثمانية بلايين دولار سنة 2005، ولمبيعات التجزئة إلى 470 مليون دولار للسنة نفسها.
وهكذا، يمكن الإيجاز بالقول إن مستقبل الحكومة والتجارة الإلكترونيتين رهن بتحقق اشتراطات سابقة على الأرض، منها سعي الأجهزة المختصة ليصبح المجتمع السعودي مجتمعاً معلوماتياً، وبذلك سيصبح اعتماده على تقنيات الاتصالات والمعلومات"طبيعة ثانية"كما يقال. وفي المقابل يمكن الجدل أن التباطؤ في ردم الفجوة وكأننا نملك كل الوقت، أو حتى التريث غير المبرر بعدم جعلنا ردم الفجوة الرقمية أولوية عالية، سيؤدي إلى توسيع الفجوة بما قد يحول بين المجتمع السعودي وبين الاستفادة من الإنترنت وتقنياتها في إنجاز مهام القطاع الحكومي وقطاع الأعمال والمؤسسات الأخرى والأفراد على تفاوت اهتماماتهم. وإذا كان من تجربة تستدعي أن تستحضر في هذا السياق فهي تجربة كوريا الجنوبية التي حلت في المرتبة الرابعة في مؤشر الإتاحة الرقمية 0.82 في المئة، بعد السويد والدنمارك وايسلندا. وكوريا تتحول بسرعة لتصبح مجتمعاً معلوماتياً، فقد نجحت في تجاوز دول كثيرة في سباق محموم. أما الأمر الملفت، أن منا من يصرّ، من دون أن يكترث بعرض مبرراته، أننا لسنا معنيين بذلك السباق، فنحن - من وجهة النظر الملفتة تلك - مسرعون من دون عجلة. فهل نملك نحن، أو أي مجتمع آخر، أن نحدد سرعة السباق وعجلة المتسابقين؟ أم أن من يقرر أن يدخل في سباق لدحر الفقر والجهل والأمية يسعى بكل ما يستطيع لأن يتقدم الصفوف ليصل أولاً ويتفوق على الآخرين ويحصل على أثمن الجوائز!
* اقتصادي سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.