نادرا في تاريخ البشرية ما تقوم البلدان بالشروع في اتخاذ مسار تصحيحي حازم من أجل تعديل اقتصاد وطني وتوسيع دائرة الأعراف الاجتماعية دون خطر المساس بالحساسيات الدينية. ومع ذلك، فهذا هو ما تحاول المملكة العربية السعودية فعله بالضبط. لعقود، عاشت المملكة وفقا لأعراف اجتماعية وثقافية لم تتم إعادة النظر فيها، مما عرقل تقدمنا، لكن قادتنا وضعوا مسارا جديدا يهدف إلى تغيير اقتصادنا ومجتمعنا، والاستفادة من قدراتنا غير المُستغلة.
وقبل عامين، أطلق ولي العهد محمد بن سلمان -بتوجيه من الملك سلمان- رؤية 2030، وهي خطة شاملة للتنويع الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي والثقافي. ولي العهد -مهندس التغيير- الشاب والحيوي يفهم المكون السكاني الأكبر لدينا، وأنا هنا أتحدث عن شبابنا. فطريقتنا القديمة لم تكن مستدامة، ولكن التغيير الآن يأخذ مجراه تقريبا في كل جانب من جوانب المجتمع. فنحن نوسَّع حقوق المرأة، ونحسِّن خدماتنا للحجاج والمعتمرين، ونستثمر في مشروعات كبرى في شتى الصناعات. وقمنا بفتح بلادنا للسياح، وقمنا ببناء صناعة ترفيهية محلية، وشجعنا الموروث الثقافي والتراثي السعودي. ونعمل أيضا على إعادة هيكلة نظامنا الصحي والتعليمي، وهذه فقط بعض من الإصلاحات التي تم إطلاقها.
ويمكن للولايات المتحدة أن تحظى بفرصة التعرف على هذه الإصلاحات بنفسها خلال الزيارة الرسمية الأولى هنا لمحمد كوليٍّ للعهد. وتهدف هذه الزيارة إلى تدعيم الشراكة السعودية الأميركية التي هي قوية في أصلها، معتمدة على ما نتج عن قمة الرياض 2017 والتي رفعت من مستوى العلاقة بين البلدين. ولكن ولي العهد لم يأت إلى هنا ليتحدث حول السياسة، بل إنه هنا لمناقشة الشأن الاقتصادي، لا سيما الفرص الاستثمارية الثنائية التي أصبحت ممكنة بسبب إستراتيجيته الرامية لتنويع الاقتصاد. وزيارة ولي العهد هذه سوف تضع حجر الأساس لزيارة الملك سلمان إلى الولاياتالمتحدة لاحقا هذا العام.
ويأتي محمد على قمة هرم السياسيين في السعودية، ويزور واشنطن لمُقابلة مسؤولي إدارة ترمب، بالإضافة إلى أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين، الأمر الذي سيُعزز العلاقات القائمة بين البلدين منذُ زمنٍ طويل. وتمتد العلاقة التاريخية بين السعودية والولاياتالمتحدة إلى عقود من الزمن، حيث قام كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري باحتضان هذه العلاقة وحمايتها. وقد نشأت هذه العلاقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستمرت خلال الحرب الباردة ثم ترسخت أثناء عملية عاصفة الصحراء.
وكما هو الحال مع كل إدارة أميركية جديدة، نركز دائما على الحفاظ على علاقتنا المقربة الناجحة. ولقد حققت إدارة ترمب إنجازات عظيمة. وهنالك تأثيرات نتجت عن قرارات الرئيس ترمب، بالأخص في مجال محاربة التطرف ودحر النفوذ الإيراني الخبيث. ويستمر قادة المملكة وإدارة ترمب في بناء وتقوية إطار عمل هذه العلاقة الثنائية التي تُسهل التعاون بين الوكالات.
ونرى الآن فرصا جديدة لإعادة إحياء التحالف السعودي الأميركي القائم من زمن بعيد. وسيسلط ولي العهد الضوء على هذا الأمر أثناء زيارته -بالأخص في مجال التجارة والفرص الاستثمارية- وسيوسع الجهود التي بدأها الملك سلمان والرئيس ترمب العام الماضي في الرياض. وعلاقتنا اليوم أقوى وأعمق وذات أبعاد أكثر مما كانت عليه في السابق، وهي تتعدى المكتب البيضاوي، وقاعات الكونجرس، والقواعد العسكرية، وغرف التجارة.
إن المملكة تقوم بعملية إصلاحية، والآلية التي نتبعها سترقى بعلاقة السعودية والولاياتالمتحدة إلى مستويات جديدة. فيجب على كلا الجانبين اغتنام الفرصة. يجب علينا انتهاز الفرصة لنلزم أنفسنا مجددا بتحالف راسخ بإرث نعتز به، بيد أنه تحالف يتطلع إلى المستقبل أيضا، ويبعث الازدهار بإطلاق الإمكانات الكاملة لجميع السعوديين، ويساعد على تحقيق الاستقرار في منطقة حرجة وفي العالم. ويتضمن تعاوننا على الصعيد الأمني جهودا مشتركة لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية ومشاريع مكافحة الإرهاب المشتركة، مثل المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف أو ما يسمى «باعتدال». وعلى الصعيد التعليمي، تلقى آلاف الطلبة السعوديين العلم في الولاياتالمتحدة على مدى عقود. أما على الصعيد الاقتصادي، استثمر رجال الأعمال السعوديون مئات المليارات من الدولارات في الولاياتالمتحدة، وذلك من خلال الاستثمار في مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاعات التقنية والعقارية والبنية التحتية.