يروي القرآن الكريم في سورة يوسف قصة السبع سنوات العجاف التي اجتاحت أرض مصر وأهلكت زرعها، ثم أعقبها سبع سنوات من الرخاء والخصب امتلأت فيها الأرض بالخير. هذه القصة ليست مجرد حكاية تاريخية، بل هي سنّة كونية تتكرر في حياة البشر والمجتمعات على مر العصور. فكما يمرّ الإنسان بمراحل قوة وازدهار، يمر أيضًا بفترات قحط وضيق، غير أنّ هذه الفترات مهما طالت فإنها تحمل في طياتها بشارة التحول ونهاية الامتحان ، ورياضيا + العدد مع - العدد يلغيه، وكأن +7 يلغي ويمحي كل ما حصل في -7. الحياة بطبيعتها لا تسير على وتيرة واحدة. هناك دورات من الشدة والرخاء، من الضيق والانفراج، وكأنها قانون سباعي يتجدد عبر الأزمنة: سبع عجاف تمهد لسبع سمان. وفي لحظات العجاف، يواجه الإنسان ضغوطًا متكررة تشبه تكاثر الذباب؛ ضوضاء مزعجة لا تملك قوة حقيقية لكنها تنهك النفس بالإلحاح. إنّه الذباب البشري الذي يظهر في صور مختلفة: كلمات جارحة، نميمة متكررة، محاولات تحجيم أو تدخل لا ينتهي. لكن كما أن الذباب مهما كثر لا يستطيع أن يحجب نور الشمس، فإن هذه الإزعاجات لا تستطيع أن تمنع دورة الحياة من الانتقال إلى مرحلة الخصب. وحين تنتهي السنوات العجاف تبدأ لحظة التحول الكبرى؛ أبواب كانت مغلقة تُفتح، فرص غائبة تعود، ونفوس أنهكها الصبر تستعيد توازنها وقوتها. كل ما كان يبدو جفافًا يتحول إلى أساس لزمن خصب، وكل ما كان إزعاجًا متكرّرًا يصبح مجرد ذكرى باهتة لا وزن لها أمام زخم النماء القادم. إن رسالة قصة يوسف عليه السلام تتجاوز حدود الزمان والمكان، لتقول إنّ الابتلاءات مهما اشتدت فإنها لا تدوم، وإن العجاف ما هي إلا جسر يوصل إلى السمان، وإن الذباب البشري مهما ضايق فإنه يظل عاجزًا عن أن يوقف قانون الله في الكون: مع العسر يسرا، ومع الضيق فرجًا، وبعد الجدب خضرة ووفرة وخير.