بعد عام على الاتفاق الذي وُصف بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، تبدو الساحتان اللبنانية والسورية أمام حالة متوازية من عدم الاستقرار، تكشف محدودية النفوذ الأمريكي في إدارة التوترات الإقليمية. ففي لبنان يتجدد التوتر الحدودي، بينما تستمر إسرائيل في الضرب داخل سوريا تحت غطاء أمني أمريكي ثابت. وهذا التلازم بين لبنانوسوريا يضع واشنطن أمام مأزق مزدوج: كيفية الضغط على إسرائيل لضبط التصعيد دون المساس بدورها كحليف إستراتيجي، وفي الوقت نفسه محاولة احتواء ديناميكيات قوة مثل حزب الله وإيران، اللذين يستفيدان من بقاء الاحتلال الإسرائيلي وغياب أي مسار سياسي فعّال. الضغط العسكري وتقوم الإستراتيجية الأمريكية على فرضية أن الضغط العسكري الإسرائيلي قادر على إنتاج مكاسب سياسية يمكن البناء عليها. إلا أن الواقع يكشف عكس ذلك. فالاتفاق الذي أبرم في نوفمبر 2024 لم ينجح في تفكيك جذور المواجهة، إذ امتنعت إسرائيل عن الانسحاب من خمس نقاط حدودية متنازع عليها، وواصلت عملياتها العسكرية شبه اليومية داخل لبنان، بما في ذلك مناطق قريبة من بيروت. وهذه المقاربة لم تُضعف حزب الله إستراتيجيًا، بل عززت حجته أمام بيئته السياسية بأن المقاومة هي الطريق الوحيد لردع الاحتلال. وفي سوريا يتكرر المشهد بصورة مختلفة لكن بنفس الجوهر. فإسرائيل تحتفظ بسياسة التدخل العسكري المفتوح، وتواصل استهداف مواقع يُعتقد أنها مرتبطة بإيران، بينما تؤمن واشنطن الغطاء السياسي لهذا المسار. وهذا الدعم يعمق اعتماد إسرائيل على القوة بدلا من الانخراط في ترتيبات سياسية يمكن أن تعيد رسم توازنات المنطقة. المشهد اللبناني وتحاول بيروت اعتماد مسار تدريجي لنزع السلاح، يقوم على تعزيز انتشار الجيش اللبناني جنوبا بدل الدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله. إلا أن العمليات العسكرية الإسرائيلية استهدفت جنود الجيش اللبناني ووحدات اليونيفيل، ما أدى إلى إضعاف هذا المسار وإفقاده جدواه. تجد الحكومة اللبنانية نفسها محاصرة بين ضغوط أمريكية وغربية لتشديد موقفها ضد حزب الله، وضغوط داخلية معاكسة تمنعها من اتخاذ خطوات تُفسّر بأنها اصطفاف مع الخارج. وهذا الانقسام يُضعف قدرة الدولة على صياغة رؤية أمنية وسياسية شاملة، ويهدد هشاشتها الداخلية في ظل أزمة اقتصادية عميقة ومؤسسات سياسية متصدعة. القوة والضعف ويعرف حزب الله أن القضاء عليه عسكريا ليس احتمالا واقعيا. فاستمرار الوجود الإسرائيلي في مناطق لبنانية يشكل بالنسبة له دليلا إضافيا على طبيعة التهديد، ويعزز مبررات التمسك بسلاحه. وتشير ديناميات المواجهة إلى أن الحزب، رغم الضغوط التي يواجهها، يحتفظ بعامل قوة أساسي هو شرعية المقاومة التي تكتسب وزنا كلما استمرت الانتهاكات الإسرائيلية. الارتباط الجيوسياسي ويمثل المشهد السوري امتدادا مباشرا لتوازنات لبنان. فإسرائيل التي تسعى إلى ضبط بيئة الصراع عبر تدخلات متلاحقة في سوريا، توفر لنفسها حرية حركة واسعة لاحتواء النفوذ الإيراني، بينما تستفيد من غياب تسوية سياسية شاملة. وواشنطن بدورها تُظهر نفورا من تبني أي مسار تفاوضي واسع يعيد رسم قواعد الاشتباك الإقليمي، مفضلة الإبقاء على الوضع الراهن الذي يمنح إسرائيل قدرة مناورة عالية من دون التزام سياسي طويل الأمد. وهذا التشابك يجعل من أي محاولة لنزع سلاح حزب الله أو تثبيت وقف إطلاق النار في لبنان مهمة شبه مستحيلة ما لم يحدث تغيير جذري في البيئة السورية أيضا، حيث تتشكل التوازنات القادرة على التأثير في لبنان بشكل مباشر. خلاصة المشهد تكشف التطورات في لبنانوسوريا معا أن واشنطن لا تزال حبيسة مقاربة تكتفي بإدارة الأزمات بدل حلها. فالدعم غير المشروط لإسرائيل يطيل أمد المواجهة ويُفقد واشنطن قدرتها على ممارسة دور الوسيط المتوازن. ومع غياب آليات سياسية واضحة، يبقى احتمال التصعيد قائما، بينما تتلاشى فرص استقرار طويل الأمد في بلدين يواجهان أزمات متراكمة. وهكذا تستمر واشنطن في سياسة الحد الأدنى، دون القدرة على فرض تسوية أو خلق بيئة تسمح بتهدئة مستدامة. • استمرار الاحتلال الإسرائيلي في لبنانوسوريا • استحالة نزع سلاح حزب الله في ظل غياب تسوية إقليمية • غياب مبادرة سياسية أمريكية فعالة • ارتباط الساحتين اللبنانية والسورية ضمن معادلة أمن واحدة.