تشهد المنطقة حالة معقدة من التوترات المتزامنة، حيث تتقاطع أزمة الحرب في غزة مع الجهود الدبلوماسية الأميركية في لبنان. ففي الوقت الذي يضغط فيه الشارع الإسرائيلي على حكومته لإبرام اتفاق يفضي إلى إطلاق سراح الرهائن ووقف القتال، تتحرك واشنطن في بيروت لمحاولة صياغة تسوية طويلة الأمد مع إسرائيل، تقوم على نزع سلاح حزب الله مقابل ضمانات سياسية واقتصادية. هذا المشهد المزدوج يضع الصراع أمام بعدين متوازيين: البعد الإقليمي المرتبط بالعلاقة بين إسرائيل ولبنان، والبعد الداخلي الذي يهدد التوازن السياسي داخل إسرائيل نفسها. اتفاق طويل الأمد ومن جهة أولى، أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان عن بدء مشاورات تهدف إلى التوصل إلى اتفاق طويل الأمد لوقف الأعمال العدائية مع إسرائيل، وذلك عقب موافقة الحكومة اللبنانية على خطة مدعومة أمريكياً لنزع سلاح حزب الله. وخطوة بيروت أثارت جدلاً واسعاً في الداخل اللبناني، إذ اعتبرها الحزب مساساً بقدرته العسكرية، ملوّحاً بالتصدي لأي محاولات لإضعافه. في المقابل، ترى الحكومة اللبنانية أن هذه الخطوة ضرورية لوقف الغارات الجوية الإسرائيلية شبه اليومية، ولاستعادة السيادة الكاملة على الأراضي التي لا تزال إسرائيل تحتلها جنوبي البلاد. ومن الناحيه الأخرى، يواجه الداخل الإسرائيلي احتجاجات غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب على غزة قبل 22 شهراً، إذ خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين مطالبين بإبرام اتفاق يطلق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، في ظل تزايد السخط الشعبي إزاء استمرار العمليات العسكرية وخطط شن هجوم واسع على أكثر مناطق القطاع اكتظاظاً بالسكان. الاحتجاجات، التي اتسمت بالعنف وإغلاق الطرق العامة، كشفت حجم التناقض بين رؤية الحكومة الإسرائيلية التي تصر على «هزيمة حماس أولاً»، ورغبة قطاعات واسعة من المجتمع في إنهاء الحرب بأي ثمن. توتر داخلي كما أن الأوضاع الميدانية في غزة تزيد هذا التوتر الداخلي تعقيداً، حيث تستمر الغارات الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين يومياً، بينهم مسعفو إغاثة وطالبو مساعدات. ومع ارتفاع حصيلة القتلى إلى أكثر من 61 ألفاً، وتحذيرات الأممالمتحدة من مستويات جوع غير مسبوقة، باتت صور الأطفال الفلسطينيين الذين يعانون من سوء التغذية حاضرة حتى في المظاهرات الإسرائيلية نفسها، في تحول نادر يعكس ضغط الرأي العام. وإقليمياً، تحاول واشنطن ربط مساري لبنانوغزة في سياق واحد، فالتوصل إلى تهدئة على الجبهة الشمالية مع حزب الله قد يخفف الضغط عن إسرائيل، بينما يشكل أي اتفاق في غزة مدخلاً لخفض التصعيد على نطاق أوسع. لكن كلا الملفين يواجه عقبات بنيوية؛ فحزب الله يرفض التخلي عن سلاحه دون انسحاب إسرائيلي كامل، وحماس لا تزال طرفاً رئيسياً في الميدان رغم الضربات المتواصلة. أما في إسرائيل، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه ضغوطاً مزدوجة: من الداخل عبر المظاهرات والانقسام داخل ائتلافه الحاكم، ومن الخارج عبر انتقادات متزايدة بشأن الوضع الإنساني في غزة. والمعادلة الراهنة تكشف أن الحلول الجزئية لم تعد كافية، إذ يتطلب المشهد توافقات شاملة تجمع بين وقف التصعيد، إطلاق سراح الرهائن، وإعادة الإعمار في كل من لبنانوغزة. ومع ذلك، فإن احتمالات الوصول إلى اختراق حقيقي تبقى معلقة بمدى استعداد الأطراف الإقليمية، وخصوصاً إسرائيل، للانخراط في تسويات طويلة الأمد، بعيداً عن الحسابات الداخلية والسياسية الضيقة. التحرك الأمريكي في لبنان • المبعوث الأمريكي باراك بحث مع الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام خطة لنزع سلاح حزب الله. • الخطة تتضمن تعزيز قدرات الجيش اللبناني عبر دعم دولي وإعادة الإعمار بعد الحرب الأخيرة. • حزب الله رفض المبادرة واعتبرها مساساً بمعادلة الردع مع إسرائيل، محذراً من اضطرابات داخلية. • البنك الدولي قدّر خسائر الحرب الأخيرة في لبنان بنحو 11.1 مليار دولار. الضغوط الشعبية في إسرائيل بسبب غزة • مئات الآلاف من الإسرائيليين تظاهروا للمطالبة بإطلاق سراح الرهائن ووقف الحرب. • بعض رؤساء الجيش والاستخبارات السابقين دعوا للتوصل إلى تسوية، خلافاً لموقف الحكومة. • نتنياهو يصر على استمرار العمليات حتى «هزيمة حماس» رغم المعارضة الشعبية المتصاعدة. • استمرار الحرب يهدد استقرار الائتلاف الحاكم مع تهديدات من اليمين المتطرف.الكلفة الإنسانية في غزة • مقتل أكثر من 61.900 شخص منذ بدء الحرب، نصفهم تقريباً من النساء والأطفال وفق وزارة الصحة في غزة. • تصاعد معدلات الجوع وسوء التغذية مع وفاة أطفال وبالغين يومياً. • الأممالمتحدة تحذر من أن غزة تعيش أسوأ أزمة إنسانية منذ بدء الحرب. احتمالات التصعيد المستقبلي • إسرائيل تجهز لهجوم جديد على مدينة غزة والمخيمات المركزية رغم التحذيرات الدولية. • خطة عسكرية تتضمن تهجير السكان قسراً إلى جنوب القطاع، لكن الفلسطينيين يؤكدون «لا مكان آمناً». • في لبنان، أي فشل للمبادرة الأمريكية قد يعيد التوتر العسكري على الجبهة الشمالية. • استمرار الانقسام داخل إسرائيل يهدد استقرار الحكومة وقد يعيق أي اتفاق مستقبلي.