لم يكن هذا الإرهابي، أسامة بن لادن، مجرد اسم، بل كان فكرًا مرتبطًا بالعنف والتطرف والإرهاب، بدأت قصته منذ سن مبكرة حين تأثر بجماعة الإخوان المسلمين في شبابه، وقد ذكر في مذكراته الخاصة: «لم يكن ثمة جهة ترشدني كما يفعل الإخوان»، وأكد رفيقه ونائبه في التنظيم، أيمن الظواهري، أن أسامة بن لادن كان عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين، وأنهم أرسلوه إلى باكستان عندما وقع الغزو السوفييتي في مهمة محددة. ثم سافر إلى أفغانستان، حيث وجد الساحة المثالية لترجمة ما امتلأ به صدره من خطاب التحريض والتكفير، فصار «الجهاد» بالنسبة له بوابة لصناعة النفوذ، لا نصرة للمستضعفين كما كان يزعم. ومع استقراره بين الجبال، بدأ في تجنيد المقاتلين العرب ليشكّل جيلًا منزوع الانتماء، مغذّى بالأوهام، يعود محمّلًا بالفكر الإرهابي المتطرف؛ فيصبح ولاؤه للجماعة لا للوطن، وللتنظيم لا للمجتمع، وللفوضى لا للاستقرار. ومع مرور الوقت، اتسع حلم السيطرة داخله، فلم يعد يكفيه تشكيل مجموعات أو إدارة معسكرات تدريب، بل اندفع نحو مشروع أكبر لتغيير موازين القوى على مستوى العالم. حين جاءت اللحظة التي قرر فيها تنفيذ هجمات 11 سبتمبر 2001م داخل الولاياتالمتحدة، كان تفجير برجي التجارة العالمية جزءًا من محاولة خبيثة لتوريط السعودية عمدًا عبر إدراج سعوديين بين المنفذين، لإحداث شرخ عميق في العلاقات السعودية–الأمريكية ودفع واشنطن للرد على الرياض، بما يخدم هدفه في إشعال الفتنة بين المسلمين والغرب. لكن خطته لم تنجح كما توقع، فبدلًا من انهيار التحالف السعودي–الأمريكي، تعزز التعاون بين البلدين في مكافحة الإرهاب، وأدركت الرياضوواشنطن أن التهديد يستهدف الجميع بلا استثناء. وعندما سُئل سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته الأخيرة إلى الولاياتالمتحدة عن حادثة 11 سبتمبر، قال: «أشعر بالألم تجاه عائلات ضحايا 11 سبتمبر، لكن بناءً على وثائق وكالة الاستخبارات الأمريكية نفسها، أظهرت أن أسامة بن لادن اختار الخاطفين السعوديين لأنه يريد ضرب العلاقات السعودية- الأمريكية، كان ذلك هدف بن لادن؛ فقد كان يعلم أن علاقة قوية بين السعودية وأمريكا ستكون سيئة للإرهاب والتطرف، وعلاقتنا مهمة وحاسمة لأمن العالم». كان أسامة بن لادن يدرك أن وجود علاقة قوية بين الرياضوواشنطن يشكّل خطرًا مباشرًا على مشروع الإرهاب والتطرف، وأن هذا التحالف يمثل ركنًا أساسيًا لأمن المنطقة والعالم، لذلك سعى إلى زعزعته بكل وسيلة، غير أن محاولاته سقطت، بينما بقيت الشراكة بين البلدين أكثر قوة ورسوخًا. فلما لم يحقق الضرر الذي سعى إليه، رغم توريطه المتعمد بوضع سعوديين بين المنفذين لتقويض العلاقات الثنائية، توقع أن تتهم واشنطنالرياض مباشرة، وأن تفتح الضربة باب قطيعة طويلة تُضعف الدولة، وتؤدي إلى تدهور الشراكة الإستراتيجية التي كان يعدّها عقبة أمام مشروعه، لكن رهانه انهار بمرارة؛ فبدلًا من أن تتحطم العلاقات، أصبحت مكافحة الإرهاب محورًا أساسيًا للتعاون بين البلدين، وحين أدرك فشل مخططه في إحداث الضرر الذي أراده، تبيّن له أن ضربته لم تزعزع ركائز التحالف، ولا أضعفت مكانة المملكة، وأن العالم لم ينجرّ خلف الفتنة التي أراد إشعالها. وبعد إدراكه فشل مخططه، حوّل وجهته الإجرامية وعملياته الإرهابية إلى داخل السعودية، وقد تجلّى هذا المنهج الدموي بوضوح في تحريضه على التفجيرات التي وقعت وراح ضحيتها آلاف الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال من المواطنين والمقيمين، وبعد فشله في إثارة الفوضى، انكشف زيف ادعاءاته بنصرة الإسلام والمسلمين، إذ انتهى به الأمر إلى قتل المسلمين وتشويه صورة الإسلام، ما تسبب في مضايقات وأضرار لهم حول العالم، وحوّل الإسلام دين الرحمة والسلام إلى رمز للخوف والعنف في أعين الكثيرين، ولم تقتصر تبعات أعماله على الأرواح التي أزهقها أو المدن التي دمّرها فحسب، بل امتدت لتطال حياة المسلمين في أنحاء العالم، حيث أصبحوا عرضة للمضايقات والاتهامات حتى يومنا هذا.