منذ تم اكتشاف الأدوية المضادة للميكروبات، تحسنت صحة الكائنات الحية كثيرًا مقارنة بالفترة السابقة على هذه الاكتشافات، وتعتبر الأدوية المضادة للميكروبات من أهم نعم الله على الناس، فهى العامل الرئيس الذي أدى إلى انخفاض نسبة الوفيات بين البشر، بعد أن كان معظم سكان البسيطة مهددين بالموت بأعداد كبيرة بمجرد إنتشار الإصابة بالبكتيريا أو بالفيروسات، ولا زالت الذاكرة تحتفظ بأمثلة واضحة على تلك الأوبئة، ولعل أكثرنا يذكر أيام الكورونا، وقدر الدمار الذي أحدثته في حياتنا. لكن مشكلة حديثة تواجه البشر على اتساع محيط الكرة الأرضية، وهى ظهور سلالات جديدة من الميكروبات ذات مناعة ضد الكثير من الأدوية؛ مثل مضادات الحيوية، ومضادات الفيروسات، ومضادات الفطريات، وكذلك مضادات الطفيليات. وقد قدرت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها صدر قبل عامين أن مقاومة الأدوية المضادة للميكروبات مسئولة بشكل مباشر عن عدد لا يقل عن مليون وربع من الوفيات عبر العالم عام 2019، كما كانت إحدى مسببات الوفاة لما يقارب خمسة ملايين من البشر خلال نفس العام. وذكر التقرير أن الإفراط في استخدام الأدوية المضادة للميكروبات، وإساءة استخدامها لعلاج الإنسان والحيوان والنبات؛ هما السببان الرئيسان لنشوء هذه المشكلة. وقد وصلت هذه الظاهرة لكافة أرجاء العالم، لكن 0ثارها الأسوأ تزيد في الأقطار الفقيرة، وحيث تسود ظاهرة التمييز بين طبقات البشر في المجتمعات، التى ينخفض فيها دخل الفرد. تفاقم هذه الظاهرة سيؤدي إلى خسارة جسيمة لما اكتسبه البشر من مزايا الطب الحديث، ففضلًا عن أنها تجعل الأمراض الإنتانية صعبة العلاج؛ فإنها تؤدي إلى زيادة مخاطر الممارسات الطبية غير الدوائية؛ كالجراحة والعمليات القيصرية والعلاج الكيميائي للسرطان. وللأسف فإن هذا الخطر الذي يواجه البشر لا يقابله أبحاث وإجراءات مبشرة بإنتاج أدوية مضادة أخرى، تعمل على هذه الأنواع من الميكروبات المقاومة، وليس في الأفق القريب إجراءات عادلة لإيصال التطعيمات و الوسائل العلاجية والتشخيصية للمجتمعات المحرومة منها. ولهذه الظاهرة أيضًا أعباؤها الاقتصادية كذلك، يقدر البنك الدولى أن ظاهرة مقاومة الأدوية المضادة للميكروبات ستفرض مزيدًا من الإنفاق على الخدمات الصحية ستصل إلى واحد تريليون دولار بحدود عام 2050م ، كما أن الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي ستصل إلى ما بين 1-3.4 تريليون دولار بحلول عام 2030م. (يتبع)