كثيرًا ما نكتب بدافع لا نجد له تفسيرًا واضحًا؛ كأن اليد تعرف الطريق قبل أن ينطق القلب، فتمتد إلى الاعتراف، ثم تتراجع فجأة عند حافة الإرسال. وفي تلك اللحظة المعلّقة -حين نتوقف عن ضغط الزر- تنكشف حقيقتنا أكثر مما لو وصلت الرسالة إلى صاحبها، فهناك في مساحة التردّد الضيّقة، تتجسّد هشاشتنا كلها، ويصعد خوفٌ قديم من أن نُرى كما نحن، لا كما نجيد التظاهر، وفي امتداد هذا الخوف، بين رغبة البوح وخشية الصدى، تُكتب الرسائل غير المرسلة. هذه الرسائل ليست كلمات محبوسة خلف شاشة، بل نسخٌ بديلة منّا لم يُكتب لها أن تعيش؛ فيها شوقٌ تردّدنا في الاعتراف به، وعتبٌ أرهقنا كبته، وصدقٌ خشينا أن يكون أكثر حدّة مما نحتمل، كل رسالة مؤجّلة تشبه بابًا أغلقناه قبل أن نطلّ منه على مصيرٍ مختلف، وربما أجمل، ولأنها لم تُرسل، بقيت نوافذ مفتوحة على الاحتمالات: ماذا لو وصل الكلام؟ ماذا لو تجرّأ القلب؟ وماذا لو كانت حياة كاملة تنتظر ضغطة زر واحدة.. لم تحدث بعد؟.