أمتطي صهوة جواد القلم لا لأكتب عن مكانة العربية في يومها العالمي، بل لأنقل تجربة عايشتها وزادت من يقيني بأن العربية لغة تقبع في قلب العالم. لم يجُل في خلدي يومًا أن تكون اللغة العربية مقصدًا ورغبة عند غير العرب لذاتها، كنت أظن أن من يتعلمها في أصقاع الأرض لا يفعل ذلك إلا من أجل تعلُّم الدين وأصول العبادات، خصوصًا في دول مثل الصين وأوروبا. غير أن لقاءً عابرًا مع إحدى معلمات اللغة العربية للناطقين بغيرها في إحدى المؤتمرات الدولية للغة العربية، فتح أمامي أفقًا لم أعهده. جلست معها أستمع إلى تجربتها الفريدة في تعليم العربية، فإذا بي أمام عالم آخر من الحكايات الملهمة. حدثتني عن طلابها من إسبانيا، وبريطانيا، ومن دول أوروبية مختلفة ومن أديان مختلفة -أيضا- وبعضهم بلا انتماء ديني، يدرسون العربية لأنهم يرونها لغة عالمية ذات جمال وطابع خاص تستحق التعلم. كانوا يقطعون أربع سنوات كاملة في دراسة البكالوريوس، يتلقون خلالها أساسيات العربية قراءة وكتابة وتحدثًا، ثم يقضون سنتهم الخامسة في بلد عربي؛ وعلى الأغلب في الأردن أو مصر وأحيانا في السعودية، ليعيشوا اللغة واقعًا ويتذوقونها لذة حرفها معايشةً يومية. لقد كان ذلك بالنسبة لي سعادة ودهشة، وصدمة جميلة أيقظتني على قيمة غائبة وهي: أن العربية ليست لغة دين فحسب، وإنما لغة إنسانية عالمية، تملك من السحر والجمال ما يجعلها مطمحًا لمن هم خارج ثقافتنا. حين غادرتُ مجلسها، كنت أحمل يقينًا جديدًا: أن مستقبل العربية أوسع مما نتصور، وأن من واجبنا أن ننقل هذه التجارب الحية، ونوثقها، ونبني بها جسورًا جديدة من الفخر والانتماء. وفي يومها العالمي، علينا أن نحتفي بمثل هذه القصص، وأن نرويها، لأنها تؤكد أن العربية ستبقى حيّة، نابضة، قادرة على اختراق الحواجز، وبلوغ القلوب، وصناعة الدهشة في كل مكان وزمان، كما قال الشاعر: «لغةُ العروبة والبقاءِ أنا».